كتاب التحبير لإيضاح معاني التيسير (اسم الجزء: 2)

4 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ - صلى الله عليه وسلم -: "لَمَّا خَلَقَ الله آدَمَ - عليه السلام - مَسَحَ ظَهْرَهُ فَسَقَطَ مِنْ ظَهْرِهِ كُلُّ نَسَمَةٍ هُوَ خَالِقُهَا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَجَعَلَ بَيْنَ عَيْنَيْ كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ وَبِيصًا مِنْ نُورٍ، ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى آدَمَ فَقَالَ: أَي رَبِّ! مَنْ هَؤُلاَءِ؟ قَالَ: ذُرِّيَّتُكَ، فَرَأَى رَجُلاً مِنْهُمْ فَأَعْجَبَهُ وَبِيصُ مَا بَيْنَ عَيْنيهِ فَقَالَ: أَيْ رَبِّ! مَنْ هَذَا؟ قَالَ: دَاوُدُ قَالَ: رَبِّ! كَمْ جَعَلْتَ عُمْرَهُ؟ قَالَ: سِتِّينَ سَنَةً قَالَ: أَيْ رَبِّ! زِدْهُ مِنْ عُمْرِي أَرْبَعِينَ سَنَةً. قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "فَلَمَّا انْقَضَى عُمْرُ آدَمَ - عليه السلام - إلا أَرْبِعين جَاءَهُ مَلَكُ الْمَوْتِ، فَقَالَ آدَمُ: أَوَ لم يَبْقَ مِنْ عُمْرِي أَرْبَعُونَ سَنَةً؟ فَقَالَ: أَوَلَمْ تُعْطِهَا ابْنَكَ دَاوُدَ؟ قَالَ: فَجَحَدَ آدَمُ فَجَحَدَتْ ذُرَّيَّتُهُ وَنَسِىَ آدَمُ فَأَكَلَ مِن الشَّجَرَة فَنَسِيَتْ ذُرَّيَّتُهُ, وَخَطِئَ آدَمُ فَخَطِئَتْ ذُرَّيَّتُهُ" أخرجه الترمذي (¬1) وصححه. [صحيح]
قوله في حديث أبي هريرة: "فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة":
فإن قلت: الآية قاضية بأنه تعالى أخذ من ظهور [79/ أ] بني آدم جميعاً لا من ظهر آدم، فكيف تطبيق الحديث على الآية؟
وأجيب: بأنه لا مانع أن يؤخذ كل من ظهر أبيه، والمجموع من ظهر آدم فتكون [تلك] (¬2) الإخراجة التي خرجت دفعةً مثل هذا الإخراج [307/ ب] المفرق أو نحوه.
والحديث يحتمل ذلك، وليس بصريح في خلافه، ويرشد إليه قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ} (¬3) فخلق الأبناء ضمناً في خلق الآباء.
¬__________
(¬1) في "السنن" رقم (3076)، وهو حديث صحيح.
(¬2) زيادة من (أ).
(¬3) سورة الأعراف الآية: (11).

الصفحة 139