كتاب التحبير لإيضاح معاني التيسير (اسم الجزء: 2)

فإن قلت: وما الحكمة في هذا الإيجاد في عالم الذر؟
قلت: إذا ثبت الحكم عن الله وجب قبوله، وإن لم يعرفنا حكمته، فإنه لا علم لنا إلا ما علمنا، لكنه هنا قد تفضل علينا بذكر الحكمة هو أخذ العهد عليهم بقوله: {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} أي: أنت ربنا, قال: {شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ} الآية.
فحكمته أخذ الميثاق عليهم.
إن قلت: هذا الميثاق لا يذكره بنو آدم في دار الدنيا، وإنما أخذه الله لئلا تدعى الغفلة عن الربوبية يوم القيامة كما صرحت به الآية.
قلت: اقتضت حكمة الله أن ينسي العباد ذلك العهد في هذه الدار، ويخلفه بالأدلة الدالة على مثله حتى كأنهم مخاطبون بذلك الخطاب في كل آن، ثم قد صار مذكوراً لنا الآن بإخبار الله تعالى لنا، وإخبار رسوله - صلى الله عليه وسلم - فيذكرون العهد يوم القيامة كما يذكرون دقيق أعمالهم وجليلها مع نسيانهم الآن لأكثرها كما قال تعالى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (5)} (¬1) فيذكر هذا العهد.
وهذا العهد أقر كل بني آدم أن الله خالقه وخالق السموات، ومنزل الغيث: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (¬2)، {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ (9)} (¬3) {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ
¬__________
(¬1) سورة الانفطار الآية: (5).
(¬2) سورة الزخرف الآية: (87).
(¬3) سورة الزخرف الآية: (9).

الصفحة 140