كتاب التحبير لإيضاح معاني التيسير (اسم الجزء: 2)

32 - وَعَنْ حُذَيْفَةَ - رضي الله عنه - في قوله تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} قَالَ: نَزَلَتْ فِي النَّفَقَةِ. أخرجه البخاري (¬1). [صحيح]
قوله في حديث حذيفة: "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة".
قال البخاري (¬2): التهلكة والهلاك واحد.
قوله: "نزلت في النفقة"، أي: في ترك النفقة في سبيل الله، وهذا الذي قاله حذيفة، جاء مفسراً في حديث أبي أيوب الذي أخرجه النسائي، وأبو داود، والترمذي، وابن حبان، وهو الحديث الآتي عن أسلم، وصح عن ابن عباس (¬3) وجماعة من التابعين نحو ذلك في تأويل الآية.
وأما مسألة (¬4) حمل الواحد على العدد الكثير فصرح الجمهور أنه إذا كان لفرط شجاعته وظنه أنه يرهب العدو بذلك أو يجزي المسلمين عنهم عليهم أو نحو ذلك من المقاصد الصحيحة فهو حسن، ومتى كان مجرد تهور فممنوع ولا سيما إن ترتب على ذلك وهن في المسلمين.
33 - وَعَنْ أَسْلَمَ أَبِي عِمْرَانَ قَالَ: غَزَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ نُرِيدُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ، وَعَلَى الْجَمَاعَةِ عبد الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَالرُّومُ مُلْصِقُو ظُهُورِهِمْ بِحَائِطِ الْمَدِينَةِ فَحَمَلَ رَجُلٌ عَلَى الْعَدُوِّ فَقَالَ النَّاسُ: مَهْ مَهْ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله يُلْقِى بِيَدَيْهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ, فَقَالَ أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِي - رضي الله عنه -: إِنَّمَا نَزَلَتْ هَذ الآيَةُ فِينَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ لَمَّا نَصَرَ الله تَعَالَى نَبِيَّهُ وَأَظْهَرَ الإِسْلاَمَ قُلْنَا نُقِيمُ
¬__________
(¬1) في صحيحه رقم (4516).
(¬2) في صحيحه (8/ 185 - مع الفتح).
(¬3) أخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (2/ 314). انظر "أسباب النزول" للواحدي (ص 38).
(¬4) انظر "فتح الباري" (8/ 185).

الصفحة 30