كتاب التحبير لإيضاح معاني التيسير (اسم الجزء: 2)

ويحتمل أن يكون المراد بالنسخ التخصيص، فإن المتقدمين يطلقون النسخ عليه كثيراً.
70 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: "لَمَّا نَزَلَ قَولُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ} الآية، اشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى الصَّحَابةِ - رضي الله عنهم - فَأَتَوْا رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وَبَرَكُوا عَلَى الرُّكَبِ وَقَالُوا: أَيْ رَسُولَ الله كُلِّفْنَا مِنَ الأَعْمَالِ مَا نُطِيقُ: الصَّلاَةُ، وَالصِّيَامُ، وَالْجِهَادُ, وَالصَّدَقَةُ؛ وَقَدْ أَنْزَلَ الله تَعَالَى عَلَيْكَ هذِه الآيَةُ وَلاَ نُطِيقُهَا، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ: سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا؟ بَلْ قُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ"، فَلَمَّا اقْتَرَأَهَا الْقَوْمُ وَدَلَّتْ بِهَا ألسِنَتُهُمْ أَنْزَلَ الله فِي إِثْرِهَا: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)}، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ نَسَخَهَا الله تَعَالَى فَأَنْزَلَ: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} قَالَ نَعَمْ، {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} قَالَ نَعَمْ، {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} قَالَ نَعَمْ، وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ، قَالَ نَعَمْ". أخرجه مسلم (¬1). [صحيح]
قوله: "وذلت"، أي: استسلمت.
¬__________
= انظر "المحصول" (3/ 325) "البحر المحيط" (4/ 98 - 100).
(¬1) في صحيحه رقم (125).
قلت: وأخرجه ابن جرير في "جامع البيان" (5/ 130 - 131) وابن أبي حاتم في تفسيره رقم (574, 575، 579) والبيهقي في "الشعب" رقم (327) والواحدي في "أسباب النزول" (ص 66).

الصفحة 56