كتاب التحبير لإيضاح معاني التيسير (اسم الجزء: 2)

النَّازِعَاتِ (¬1): {أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27)} إِلَى قَوْلِهِ: {دَحَاهَا (30)} فَذَكَرَ خَلْقَ السَّمَاءِ قَبْلَ خَلْقِ الأَرْضِ، ثُمَّ قَالَ: {أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا} إِلَى قَوْلِهِ: {طَائِعِينَ (11)} (¬2)، فَذَكَرَ فِي هَذ الآية خَلْقَ الأَرْضِ قَبْلَ السَّمَاءِ؛ وَقَالَ: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (50)} (¬3)، وَقَالَ: {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (19)} (¬4)، {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (134)} (¬5)، فكَأنَّهُ كَانَ ثُمَّ مَضَى، قَالَ ابْن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما -: {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ} فِي النَّفْخَةِ الأُولَى يُنْفَخُ فِي الصُّورِ، فَصعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ فَلاَ أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ؛ ثُمَّ فِي النَّفْخَةِ الثَّانِيَةِ: أَقْبَلَ بَعْضهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ؛ وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23)} {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (42)}، فَإِنَّ الله تَعَالَى يَغْفِرُ لأَهْلِ الإِخْلاَصِ ذُنُوبَهُمْ وَقَالَ الْمُشْرِكُونَ تَعَالَوْا نَقُولُ لَمْ نَكُنْ مُشْرِكِينَ، فَيختم الله عَلَى أَفْوَاهِهِمْ فتَنْطِقُ جُوَارِحُهُمْ بَأَعْمَالِهمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ عُرِفَ أَنَّ الله لاَ يُكْتَمُ حَدِيثًا وَعِنْدَهُ: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (2)}، وَخَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ، ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ، فَسَواهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ، ثُمَّ دَحَا الأَرْضَ: أَيْ: بَسَطَهَا، وأَخْرَجَ مِنْهَا الْمَاءَ وَالْمَرْعَى، وَخَلَقَ الجبَالَ وَالْأَشْجَارَ وَالآكَامَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ، فَذَلِكَ قَولهُ تعالى: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30)}، فَخُلِقَتِ الْأَرْضُ وَمَا فِيهَا مِنْ شَيْءٍ في أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَخُلِقَتِ السَّمَوَاتُ
¬__________
(¬1) سورة النازعات الآية (27 - 30).
(¬2) سورة فصلت الآية (9 - 11).
(¬3) سورة الأحزاب الآية (50).
(¬4) سورة الفتح الآية (19).
(¬5) سورة النساء الآية 134.

الصفحة 59