كتاب مقارنة المرويات (اسم الجزء: 2)

والبحث عن صفة كل رواية على وجه الدقة من القضايا الدقيقة في التعامل مع الأسانيد حين اختلافها، وبها وبأمثالها يمكن للباحث أن يشبع نهمه في البحث عن الصواب والوصول إليه أو الاقتراب منه -بتوفيق الله تعالى-، وبتطبيقها يتميز الباحث المتخصص من غيره, بل بها يتميز الباحثون المتخصصون فيما بينهم صبرا وأناة وفهما لقواعد هذا العلم, وما يقوله أئمة النقد.
وفوق ذلك بها وبأمثالها ندرك ما بذله أئمة النقد من جهود جبارة لا يقدر قدرها في نقد الأسانيد وفحص المرويات, وفيما نحن فيه يمكن للقارئ أن ينظر في حديث الزهري، عن عروة, عن عائشة: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج ليلة من جوف الليل فصلى في المسجد، فصلى رجال بصلاته ... » الحديث, وما جرى فيه للرواة من إدراج, وحمل, وإفراد مخطئ, وما بذله النقاد في تمييز ذلك من جهود (¬١).
وجانب آخر يتعلق بإدراك الباحث لصنيع النقاد والمؤلفين، واضطرارهم أحيانا إلى سوق عدد من الروايات مجتمعة لغرض ما، وربما كان بينها اختلاف في جهة أخرى في الإسناد أو المتن لم ينبه عليه الناقد أو المؤلف، فإن الباحث إذا أدرك هذا لم يحتج إلى تعقبهم، ولم ينسبهم إلى الخطأ، فهم يفعلون هذا وهم مدركون له، ولكن لا مفر من فعلهم هذا، وإلا لطالت الكتب جدا، وحال هذا دون العناية بها، ووصولها إلى من بعدهم، ومن يريد أن يحتج برواية منها في غير ما أوردها الناقد لأجله لزمه أن يبحث عنها مفردة.
---------------
(¬١) انظر: «الفصل للوصل» حديث (٢٦)، (٤٥).

الصفحة 57