كتاب المفاتيح في شرح المصابيح (اسم الجزء: 2)
حِينَ أفطَرَ الصَّائمُ، وصلَّى بيَ العِشاءَ حِينَ ذهبَ ثُلُثُ الليلِ، وصلَّى بيَ الفَجْرَ حِينَ أسْفَرَ، ثمَّ التفتَ إليَّ فقال: يا مُحمَّدُ، هذا وَقْتُ الأنبياءِ مِنْ قبلِكَ، والوقتُ ما بينَ هذيْنِ الوَقْتَيْنِ".
قوله: "أمّني"؛ أي: كان إمامي؛ ليعرِّفني كيفيةَ الصلاة وأوقاتها.
"باب البيت"؛ أي: باب الكعبة.
"مرتين"؛ أي: في يومين؛ يومًا صلى الصلوات في أول الأوقات، ويومًا صلاَّهن في آخر الأوقات في الاختيار لا في الجواز، كما تقدَّم ذكره.
"فصلى بي الظهر": الباء باء المُصاحبة والمَعيَّة؛ أي: صلَّى معي الظهر.
قوله: "وكان الفيء مثل الشراك"، (الفيء): الظل، (الشراك): شراك النعل، وهو معروفٌ؛ أي: كان ظل الشخص في ذلك الوقت بقَدْرِ شراك نعل، وهذا يكون في أول وقت الظهر.
وهذا يختصُّ بمكة، وبأطولِ يوم في السنة؛ لأن الظلَّ قبل الزوال بمكة يزول بالكلية في أطول يوم من السنة، ثم بعد الزوال يظهر ظلُّ كلِّ شخصٍ قليلًا قليلًا، وذلك أن مكة محاذيةٌ لقطب الشمس، فأيُّ بلد يكون أقربَ من قطب الشمس يكون الظل فيه أقل، وأيُّ بلدٍ يكون أبعدَ من قطب الشمس يكون الظل فيه أكثر، وفي الصيف يكون الظل أقلَّ من الشتاء.
اعلم أن أول وقت الظهر في سائر البلاد إذا رجع الظل بعد الاستواء إلى الزيادة؛ يعني: يكون ظلُّ كلِّ شيءٍ في أول النهار كثيرًا، ثم ينقص قليلًا قليلًا إلى أن وقف لحظة، فلا يزيد ولا ينقص، فهذه الساعة وقتُ الاستواء، ويُكره فيه صلاة النوافل، فإذا زاد الظل بعد الاستواء أدنى زيادةٍ فهو أولُ وقت الظهر، ويبقى وقته إلى أن يصير ظل كلِّ شيء مثله من موضع الزيادة، فإذا زاد ظلُّ كلِّ شيء على مثله أدنى زيادةٍ، دخل وقت العصر.
الصفحة 17
568