كتاب تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة (اسم الجزء: 2)

ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض, فأقضي له على نحو ما أسمع منه "
أي: أفطن بها, من: اللحن – بفتح الحاء -, يقال: لحن الرجل يلحن لحنا فهو لاحن: إذا فطن لما لا يفطن له غيره, وأصله: الميل وإنما صدر الكلام بقوله: " إنما أنا بشر " تأسيسا لجواز أن لا يطابق حكمه ما في الواقع, لأنه بشر لا يعلم الغيوب, ولا يطلع على ما في الضمائر والنفوس, وإنما يحكم على حسب ما يسمعه من المترافعين, فلعل أحدهما أفطن بحجته وأقدر على تقريرها, فيقررها على وجه يظن أن الحق معه, فيحكم له, كما قال – عليه الصلاة والسلام -:" أنا أحكم بالظاهر "
وكان الواقع أن الحق لخصمه, ولكن لم يتفطن لحجته, ولم يقدر على معارضته, وتمهيدا لعذره فيما عسى يصدر عنه من أمثال ذلك, ولو نادرا, وليس هذا من قيبل الخطأ في الحكم, فإن الحاكم مأمور مكلف بأن يحكم بما يسمع من كلام الخصمين وبما تقتضيه البينة, لا بما في نفس الأمر, حتى إن المبطل في الدعوى إذا أتى بشاهدي زور, فظن القاضي عدالتهما, فحكم له فهو محق في الحكم, وإن لم يكن المحكوم به ثابتا, وإن المحق إن أتى ببينة غير مرضية في ظاهر الشرع, فحكم بها فهو مبطل في الحكم, وإن كان المحكوم به ثابتا في الواقع.
***

الصفحة 566