كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 2)

" صفحة رقم 101 "
صائم ؟ ) وإلى قوله وقد صرف وجه الفضل بن العباس عن ملاحظة النساء في الحج : ( إن هذا يوم ، من ملك فيه سمعه وبصره غفر له ؟ )
ومعلوم خطر ذلك في غير ذلك اليوم ، ولكنه خصه بالذكر تعظيماً لحرمته .
وفي قوله : ولا فسوق ، إشارة إلى أنه يحدث للحج توبة من المعاصي حتى يرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه .
( وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ( هذه جملة شرطية ، وتقدّم الكلام على إعراب نظيرها في قوله : ) وَمَا نَنسَخْ مِنْ ءايَةٍ ( وخص الخير ، وإن كان تعالى عالماً بالخير والشر ، حثاً على فعل الخير ، ولأن ما سبق من ذكر فرض الحج ، وهو خير ، ولأن نستبدل بتلك المنهيات أضدادها ، فنستبدل بالرفث الكلام الحسن والفعل الجميل ، والفسوق الطاعة ، والجدال الوفاق ، ولأن يكثر رجاء وجه الله تعالى ، ولأن يكون وعداً بالثواب .
وجواب الشرط وهو : يعلمه الله ، فإما أن يكون عبّر عن المجازاة عن فعل الخير بالعلم ، كأنه قيل : يجازكم الله به ، أو يكون ذكر المجازاة بعد ذكر العلم ، أي : يعلمه الله فيثيب عليه ، وفي قوله : وما تفعلوا ، التفات ، إذ هو خروج من غيبة إلى خطاب ، وحمل على معنى : مِنْ ، إذ هو خروج من إفراد إلى جمع ، وعبر بقوله : تفعلوا ، عن ما يصدر عن الإنسان من فعل وقول ونية ، إما تغليباً للفعل ، وإما إطلاقاً على القول ، والإعتقاد لفظ الفعل ، فإنه يقال : أفعال الجوارح ، وأفعال اللسان ، وأفعال القلب ، والضمير في : يعلمه ، عائد على : ما ، من قوله : وما تفعلوا ، و : من ، في موضع نصب ، ويتعلق بمحذوف .
وقد خبط بعض المعربين فقال : إن : من خير ، متعلق : بتفعلوا ، وهو في موضع نصب نعتاً لمصدر محذوف تقديره : وما تفعلوه فعلاً من خير يعلمه الله ، جزم بجواب الشرط ، والهاء في : يعلمه الله ، يعود إلى خير انتهى قوله .
ولولا أنه مسطر في التفسير لما حكيته ، وجهة التخبيط فيه أنه زعم أن : من خير ، متعلق : بتفعلوا ، ثم قال : وهو في موضع نصب نعتاً لمصدر . فإذا كان كذلك كان العامل فيه محذوفاً ، فيناقض هذا القول كون : من ، يتعلق : بتفعلوا ، لأن : من ، حيث تعلقت بتفعلوا كان العامل غير محذوف وقوله والهاء تعود إلى خير خطأ فاحش لأن الجملة جواب لجملة شرطية بالاسم ، فالهاء عائدة على الاسم ، أعني : اسم الشرط ، واذا جعلتها عائدة على الخير عري الجواب عن ضمير يعود على أسم الشرط ، وذلك لا يجوز ، لو قلت : من يأتني يخرج خالد ، ولا يقدر ضميراً يعود على أسم الشرط ، لم يجز بخلاف الشرط إذا كان بالحرف ، فإنه يجوز خلوّ الجملة من الضمير نحو : إن تأتني يخرج خالد .
( وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ( روي عن ابن عباس أنها نزلت في ناس من اليمن يحجون بغير زاد ، ويقولون : نحن متوكلون بحج بيت الله أفلا يطعمنا ؟ فيتوصلون بالناس ، وربما ظلموا وغصبوا ، فأمروا بالتزود ، وأن لا يظلموا أو يكونوا كُلاًّ على الناس . وروي عن ابن عمر قال : إذا أحرموا ومعهم أزودة رموا بها ، واستأنفوا زاداً آخر ، فنهوا عن ذلك ، وأمر بالتحفظ بالزاد والتزود .
فعلى ما روي من سبب نزول هذه الآية يكون أمراً بالتزود في الأسفار الدنيوية ، والذي يدل عليه سياق ما قبل هذا الأمر ، وما بعده أن يكون الأمر بالتزود هنا بالنسبة إلى تحصيل الأعمال الصالحة التي تكون له كالزاد إلى سفره للآخرة ، ألا ترى أن قبله : ) وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ( ومعناه الحث والتحريض على فعل الخير الذي يترتب عليه الجزآء في الآخرة ؟ وبعده ) فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ( والتقوى في عرف الشرع والقرآن عبارة عن ما يتقى به النار ؟ ويكون مفعول : تزودوا ، محذوفاً تقديره ، وتزودوا التقوى ، أو : من التقوى ، ولما حذف المفعول أتى بخبر إن ظاهراً ليدل على أن المحذوف هو هذا الظاهر ، ولو لم يحذف المفعول لأتي به مضمراً عائداً على المفعول ، أو كان يأتي ظاهراً تفخيماً لذكر التقوى ، وتعظيماً لشأنها . وقد قال بعضهم في التزود للاخرة :

الصفحة 101