كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 2)

" صفحة رقم 105 "
وقف بها فروي عن ابن عباس ، والقاسم ، وسالم أنه : من أفاض من عرنة لا حج له ، وذكره ابن المنذر عن الشافعي ، وأبو المصعب عن مالك ، وروى خالد بن نوار عن مالك أن حجه تام . ويهريق دماً ، وذكره ابن المنذر عن مالك أيضاً .
وروي : عرفة كلها موقف ، وارتفعوا عن بطن عرنة ؛ وأكثر الآثار ليس فيها هذا الاستثناء ، فهي كظاهر الآية .
وكيفية الإفاضة أن يسيروا سيراً جميلاً ، ولا يطؤا ضعيفاً ، ولا يؤذوا ماشياً ، إذ كان ( صلى الله عليه وسلم ) ) إذا دفع من عرفات أعنق ، وإذا وجد فرجة نص . والعنق : سير سريع مع رفق ، والنص : سير شديد فوق العتق ، قاله الأصمعي ، والنضر بن شميل . ولو تأخر الإمام من غير عذر دفع الناس .
والتعريف الذي يصنعه الناس في المساجد ، تشبيهاً بأهل عرفة ، غير مشروع ، فقال بعض أهل العلم : هو ليس بشيء ، وأول من عرّف ابن عباس بالبصر ، وعرف أيضاً عمرو بن حريث ، وقال أحمد : أرجو أن لا يكون به بأس ، وقد فعله غير واحد : الحسن ، وبكر ، وثابت ، ومحمد بن واسع كانوا يشهدون المسجد يوم عرفة .
وأما الصوم يوم عرفة للواقفين بها ، فقال يحيى بن سعيد الأنصاري : يجب ليهم الفطر ، وأجازه بعضهم ، وصامه عثمان بن القاضي ، وابن الزبير ، وعائشة . وقال عطاء : أصومه في الشتاء ولا أصومه في الصيف ، والجمهور على أن ترك الصوم أولى ، اتباعاً لرسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) .
( فَاذْكُرُواْ اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ( الفاء جواب إذا ، والذكر هنا الدعاء والتضرع والثناء ، أو صلاة المغرب والعشاء بالمزدلفة ، أو الدعاء . وهذه الصلاة أقوال ثلاثة يبني عليها أهل الأمر : أمر ندب ، أم أمر وجوب ؟ وإذا كان الذكر هو الصلاة فلا دلالة فيه على الجمع بين الصلاتين ، فيصير الأمر بالذكر بالنسبة إلى الجمع بين الصلاتين مجملاً ببينة فعله ( صلى الله عليه وسلم ) ) ، وهو سنّة بالمزدلفة . ولو صلى المغرب قبل أن يأتي المزدلفة ، فقال أبو حنيفة ، ومحمد : لا يجزئه ، وقال عطاء ، وعروة ، والقاسم ، وابن جبير ، ومالك ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور : ليس الجمع شرطاً للصحة .
ومن له عذر عن الإِفاضة ممن وقف مع الإِمام صلى كل صلاة لوقتها ، قاله ابن المواز .
وقال مالك : يجمع بينهما إذا غاب الشفق ، وقال ابن القاسم : إن رجا أن يأتي المزدلفة ثلث الليل ، فليؤخر الصلاتين حتى يأتيها ، وإلاَّ صلى كل صلاة لوقتها .
وهل يصليهما بإقامتين دون أذان ؟ أو بأذان واحد للمغرب وإقامتين ؟ أو بأذانين وإقامتين ؟ أو بأذان وإقامة للأولى ، وبلا أذان ولا إقامة للثانية ؟ أقوال أربعة .
الأول : قول سالم ، والقاسم ، والشافعي ، وإسحاق ، وأحمد في أحد قوليه .
والثاني : قول زفر ، والطحاوي ، وابن حزم ، وروي عن أبي حنيفة .
والثالث : قول مالك .
والرابع : قول أبي حنيفة ، والسنّة أن لا يتطوع الجامع بينهما .
والمشعر مفعل من شعر ، أي : المعلم : والحرام لأنه ممنوع أن يفعل فيه ما نهي عنه من محظورات الإحرام . وهذا المشعر يسمى : جمعاً ، وهو ما بين جبلي المزدلفة من حد مفضى عرفة إلى بطن محسر ، قاله ابن عباس ، وابن عمر ، وابن جبير ، ومجاهد ؛ وتسمي العرب وادي محسر : وادي النار ، وليس المأزمان ولا وادي محسر من المشعر الحرام ، والمأزم . المضيق ، وهو مضيق واحد بين جبلين ، ثنوه لمكان الجبلين . وقيل : المشعر الحرام هو قزح ، وهو الجبل الذي يقف عليه الإمام ، وعليه الميقدة . قيل : وهو الصحيح لحديث جابر : أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) ، لما صلى الفجر ، يعني بالمزدلفة ، بغلس ركب ناقته حتى أتى المشعر الحرام ، فدعا وكبر وهلل ، ولم يزل واقفاً حتى أسفر ، فعلى هذا لم تتعرض الآية المذكور للذكر بالمزدلفة ، لا على أنه الدعاء ولا الصلاة بها ، وإنما هذا أمر بالذكر عند هذا الجبل ، وهو قزح الذي ركب إليه رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) ، فدعا عنده وكبر وهلل ، ووقف بعد صلاته الصبح بالمزدلفة بغلس حتى أسفر ، ويكون ثم جملة محذوفة التقدير : فإذا أفضتم من عرفات ، ونمتم بالمزدلفة ، فاذكروا الله عند المشعر الحرام . ومعنى العندية هنا القرب منه ، وكونه يليه

الصفحة 105