كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 2)

" صفحة رقم 107 "
لعمرك إنني وأبا حميد
كما النشوان والرجل الحليم
أريد هجاءه وأخاف ربي
وأعلم أنه عبد لئيم
والهداية هنا خاصة ، أي : بأن ردكم في مناسك حجكم إلى سنة إبراهيم صلى الله على نبينا وعليه ، فما عامة تتناول أنواع الهدايات من معرفة الله ، ومعرفة ملائكته وكتبه ورسله وشرائعه .
( وَإِن كُنتُمْ مّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالّينَ ( إن هنا عند البصريين هي التي للتوكيد المخففة من الثقيلة ، ودخلت على الفعل الناسخ كما دخلت على الجملة الابتدائية واللام في : لمن ، وما أشبهه فيها خلاف : أهي لام الابتداء لزمت للفرق ؟ أم هي لام أخرى اجتلبت للفرق ؟ ومذهب الفراء . في نحو هذا هي النافية بمعنى ما ، واللام بمعنى إلاّ ، وذهب الكسائي إلى أنّ : بمعنى : قد ، إذ دخل على الجملة الفعلية ، وتكون اللام زائدة ، وبمعنى : ما ، النافية إذا دخل على الجملة الإسمية ، واللام بمعنى إلاّ ، ودلال هذه المسألة تذكر في علم النحو .
فعلى قول البصريين : تكون هذه الجملة مثبتة مؤكدة لا حصر فيها ، وعلى مذهب الفراء : مثبتة إثباتاً محصوراً ، وعلى مذهب الكسائي : مثبتة مؤكدة من جهة غير جهة قول البصريين .
ومن قبله ، يتعلق بمحذوف ، ويبينه قوله : لمن الضالن ، التقدير : وإن كنتم ضالين من قبله لمن الضالين ، ومن تسمح من النحويين في تقديم الظرف والمجرور على العامل الواقع صلة للألف واللام ، فيتعلق على مذهبه من قبله بقوله : من الضالين ، وقد تقدّم نظير هذا .
والهاء في قبله ، عائدة على الهدى المفهوم من قوله : هداكم ، أي : وإن كنتم من قبل الهدى لمن الضالين ، ذكرهم تعالى بنعمة الهداية التي هي أتم النعم ليوالوا ذكره والثناء عليه تعالى ، والشكر الذي هو سبب لمزيد الإنعام ، وقيل : تعود الهاء على القرآن ، وقيل : على النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) .
والظاهر في الضلال أنه ضلال الكفر ، كما أن الظاهر في الهداية هداية الإيمان ، وقيل : من الضالين عن مناسك الحج ، أو عن تفصيل شعائره .
البقرة : ( 199 ) ثم أفيضوا من . . . . .
( ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ( صح عن عائشة قالت : كان الحمس هم الذين أنزل الله تعالى فيهم : ) ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ( رجعوا إلى عرفات ، وفي ( الجامع ) للترمذي عن عائشة قالت : كانت قريش ومن على دينها ، وهم الحمس ، يقفون بالمزدلفة ، يقولون : نحن قطان الله ، وكان من سواهم يقفون بعرفة ، فأنزل الله : ) ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ( قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح .
وروى محمد بن جبير بن مطعم ، عن أبيه ، قال : خرجت في طلب بعير بعرفة ، فرأيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) قائماً بعرفة مع الناس قبل أن يبعث ، فقلت : والله إن هذا من الحمس ، فما شأنه واقفاً هاهنا مع الناس ؟ وكان وقوف رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) بعرفة إلهاماً من الله تعالى وتوفيقاً إلى ما هو شرع الله ومراده ، وكانت قريش قد ابتدعت أشياء : لا يأقطون الأقط ، ولا يسلون السمن وهم محرمون ، ولا يدخلون بيتاً من شعر ، ولا يستظلون إلاّ في بيوت الأدم ، ولا يأكلون حتى يخرجوا إلى الحل ، وهم حرم ، ولا يطوف القادم إلى البيت إلاّ في ثياب الحمس ، ومن لم يجد ذلك طاف عرياناً ، فإن طاف بثيابه ألقاها فلا يأخذها أبداً ، لا هو ولا غيره ، وتسمي العرب تلك الثياب : اللقي ، وسمحوا للمرأة أن تطوف وعليها درعها ، وكانت قبل تطوف عريانة ، وعلى فرجها نسعة ، حتى قالت امرأة منهم : اليوم يبدو بعضه أو كله
وما بدا منه فلا أحله
فلما أنزل الله ) ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ( وأنزل : ) خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ ( أباح لهم ما حرموا على أنفسهم من الوقوف بعرفة ، ومن الأكل والشرب واللباس ، فعلى هذا الذي نقل من سبب

الصفحة 107