كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 2)

" صفحة رقم 111 "
أقسموا بالآباء ، فيقولون . وأبيك ، فنزلت .
وقال السدي : كانوا إذا قضوا المناسك وأقاموا بمنى يقوم الرجل ويسأل الله فيقول : اللهم إن أبي كان عظيم الجفنة ، كثير المال فأعطني بمثل ذلك ليس يذكر الله ، إنما يذكر أباه ويسأل الله أن يعطيه في دنياه ، وقال : معناه أبو وائل ، وابن زيد ، فنزلت : فإذا قضيتم ، أي أديتم وفرغتم . كقوله : ) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَواةُ ( أي : أديت ، وقد يعبر بالقضاء عن ما يفعل من العبادات خارج الوقت المحدود ، والقضاء إذا علق على فعل النفس فالمراد منه الإتمام والفراغ ، كقوله : وما فاتكم فاقضوا وإذا علق على فعل غيره ، فالمراد منه الإلزام ، كقوله : قضى الحاكم بينهما ، والمراد من الآية الفراغ .
وقال بعض المفسرين : يحتمل أن يكون هذا الشرط والجزاء ، كقولك : إذا حججت فطف وقف بعرفة ، فلا نعني بالقضاء الفراغ من الحج ، بل الدخول فيه ، ونعني بالذكر ما أمروا به من الدعاء بعرفات ، والمشعر الحرام ، والطواف والسعي ، فيكون المعنى : فاذا شرعتم في قضاء المناسك ، أي : في أدائها فاذكروا . وهذا خلاف الظاهر ، لأن الظاهر الفراغ . من المناسك لا الشروع فيها ، ويؤيد ذلك مجيء الفاء في : فإذا ، بعد الجمل السابقة .
والمناسك هي مواضع العبادة ، فيكون هذا على حذف مضاف ، أي : أعمال مناسككم ، أو العبادات نفسها المأمور بها في الحج ، قاله الحسن ، أو الذبائح وإراقة الدماء ، قاله مجاهد .
فاذكروا الله : هذا جواب : إذ ، والمعنى : إذا فرغتم من الوقوف بعرفة ، ونفرتم من منى ، فعظموا الله وأثنوا عليه إذ هداكم لهذه الطاعة ، وسهلها ويسرها عليكم ، حتى أديتم فرض ربكم وتخلصتم من عهدة هذا الأمر الشاق الصعب الذي لا يبلغ إلا بالتعب الكثير ، وانهماك النفس والمال ، وقيل : الذكر هنا هو ذكر الله على الذبيحة ، وقيل : هو التكبيرات بعد الصلاة في يوم النحر وأيام التشريق ، وقيل : بل المقصود تحويلهم عن ذكر آبائهم إلى ذكره تعالى كذكركم آباءكم تقدم . هذا هو ذكر مفاخرهم ، أو السؤال من الله أن يعطيهم مثل ما أعطى آباءهم ، أو القسم بآبائهم ، وقيل : ذكر آبائهم في حال الصغر ، ولهجه بأبيه يقول : أبه أبه ، أول ما يتكلم . وقيل : معنى الذكر هنا الغضب لله كما تغضب لوالديك إذا سُبَّا ، قاله أبو الجوزاء ، عن ابن عباس . ونقل ابن عطية أن محمد بن كعب القرظي قرأ : كذكركم آباؤكم ، برفع الأباء ، ونقل غيره عن محمد بن كعب أنه قرأ : أباكم ، على الإفراد ، ووجه الرفع أنه فاعل بالمصدر ، والمصدر مضاف إلى المفعول ، التقدير : كما يذكركم آباؤكم . والمعنى : ابتهلوا بذكر الله والهجوا به كما يلهج المرء بذكر ابنه . ووجه الإفراد أنه استغنى به عن الجمع ، لأنه يفهم الجمع من الإضافة إلى الجمع ، لأنه معلوم أن المخاطبين ليس لهم أب واحد ، بل آباء .
و : أو ، هنا قيل : للتخيير ، وقيل : للاباحة ، وقيل : بمعنى بل أشدّ ، جوزوا في إعرابه وجوهاً إضطروا إليها لاعتقادهم أن ذكراً بعد أشدّ تمييزاً بعد أفعل التفضيل ، فلا يمكن إقراره تميزاً إلاَّ بهذه التقادير التي قدورها ، ووجه إشكال كونه تمييزاً أن أفعل التفضيل إذا انتصب ما بعده فإنه يكون غير الذي قبله ، تقول : زيد أحسن وجهاً ، لأن الوجه ليس زيداً فإذا كان من جنس ما قبله انخفض نحو زيد أفضل رجلٍ . فعلى هذا يكون التركيب في مثل : أضرب زيداً كضرب عمر وخالداً أو أشدّ ضرب ، بالجر لا بالنصب ، لأن المعنى أن أفعل التفضيل جنس ما قبله ، فجوزوا إذ ذاك النصب على وجوه .
أحدها : أن يكون معطوفاً على موضع الكاف في : ذكركم ، لأنها عندهم نعت لمصدر محذوف ، أي : ذكراً كذكركم آباءكم أو أشد ، وجعلوا الذكر ذكراً على جهة المجاز ، كما قالوا : شاعر شعر ، قاله أبو علي وابن جني .
الثاني : أن يكون معطوفاً على آبائكم ، قاله الزمخشري ، قال : بمعنى أو أشد ذكراً من آبائكم ، على أن ذكراً من فعل المذكور انتهى . وهو كلام قلق ، ومعناه : أنك إذا عطفت أشد على آبائكم كان التقدير : أو قوماً أشد ذكراً من آبائكم ، فكان القوم

الصفحة 111