" صفحة رقم 126 "
يريد بطيء الجرح ولا يحبه وإذا بان في المعقول الفرق بين الإرادة والمحبة بطل ادّعاؤهم التساوي بينهما ، وفي معنى هذه الآية قوله تعالى : ) وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ( انتهى كلامه .
وجاء في كتاب الله تعالى نفي محبة الله تعالى أشياء ، إذ لا واسطة بين الحب وعدمه بالنسبة إليه تعالى ، بخلاف غيره ، فإنه قد يعر ، وعنهما فالمحبة ومقابلها بالنسبة إلى الله تعالى نقيضان ، وبالنسبة إلى غيره ضدّان ، وظاهر الفساد يعم كل فساد في ارض أو مال أو دين ، وقد استدل عطاء بقوله : ) وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ ( على منع شق الإنسان ثوبه . وقال ابن عباس : الفساد هنا الخراب .
البقرة : ( 206 ) وإذا قيل له . . . . .
( وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإثْمِ ( تحتمل أيضاً هذه الجملة أن تكون مستأنفة ، وتحتمل أن تكون داخلة في الصلة ، تقدم الكلام في نحو هذا في قوله : ) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِى الارْضِ ( و : ما ، الذي أقيم مقام الفاعل ، فأغنى عن ذكره هنا ، و : أخذته العزة ، احتوت عليه وأحاطت به ، وصار كالمأخوذ لها كما يأخذ الشيء باليد .
قال الزمخشري : من قولك أخذته بكذا إذا حملته عليه ، وألزمته إياه ، أي : حملته العزة التي فيه ، وحمية الجاهلية ، على الإثم الذي ينهي عنه ، وألزمته ارتكابه ، وأن لا يخلى عنه ضرراً ولجاجاً ، أو على رد قول الواعظ . انتهى كلامه .
فالباء ، على كلامه للتعدية ، كأن المعنى ألزمته العزة الإثم ، والتعدية بالباء بابها الفعل اللازم ، نحو : ) لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ ( أي : لأذهب سمعهم ، وندرت التعدية بالباء في المتعدي ، نحو : صككت الحجر بالحجر ، أي أصككت الحجر الحجر ، بمعنى جعلت أحدهما يصك الآخر ، ويحتمل الباء أن تكون للمصاحبة ، أي : أخذته مصحوباً بالإثم ، أو مصحوبة بالإثم ، فيكون للحال من المفعول أو الفاعل ، ويحتمل أن تكون سببية ، والمعنى : أن إثمه السابق كان سبباً لأخذ العزة له ، حتى لا يقبل ممن يأمره بتقوى الله تعالى ، فتكون الباء هنا : كمن ، في قول الشاعر : أخذته عزة من جهله
فتولى مغضباً فعل الضَّجر
وعلى أن تكون : الباء ، سببية فسره الحسن ، قال . أي من أجل الإثم الذي في قلبه ، يعني الكفر .
وقد فسرت العزة بالقوة وبالحمية والمنعة ، وكلها متقاربة .
وفي قوله : ) أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإثْمِ ( نوع من البديع يسمى التتميم ، وهو إرداف الكلام بكلمة يرفع عنه اللبس ، وتقربه للفهم ، كقوله تعالى : ) وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ ( وذلك أن العزة محمودة ومذمومة ، فالمحمودة طاعة الله ، كما قال : ) أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ( ) وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ( ) فَإِنَّ العِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً ( فلما قال : بالإثم ، اتضح المعنى وتم ، وتبين أنها العزة المذمومة المؤثم صاحبها . قال ابن مسعود : لا ينبغي للرجل أن يغضب إذا قيل له اتق الله ، أو تقول : أو لِمثْلى يقال هذا ؟ وقيل لعمر : اتق الله ، فوضع خدّه على الأرض تواضعاً ، وقيل : سجد ، وقال : هذا مقدرتي . وتردّد يهودي إلى باب هارون الرشيد ، سنة فلم يقض له حاجة ، فتحيل حتى وقف بين يديه ، فقال : اتق الله يا أمير المؤمنين : فنزل هارون عن دابته ، وخر ساجداً ، وقضى حاجته ، فقيل له في ذلك ، فقال : تذكرت قوله تعالى : ) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإثْمِ ).
) فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ( أي : كافيه جزاءً وإذلالاً جهنم ، وهي جملة مركبة من مبتدأ وخبر ، وذهب بعضهم إلى أن جهنم فاعل : فحسبه ، لأنه جعله اسم فعل ، إما بمعنى الفعل الماضي ، أي : كفاه جهنم ، أو : بمعنى فعل الأمر ، ودخول حرف الجر عليه واستعماله صفة ، وجريان حركات الإعراب عليه يبطل كونه اسم فعل ، وقوبل على اعتزازه بعذاب جهنم ، وهو الغاية في الذل ، ولما كان قوله : اتق الله ، حل به ما أمر أن يتقيه ، وهو : عذاب الله ، وفي قوله : فحسبه جهنم ، استعظام لما حل به من العذاب ، كما تقول للرجل : كفاك ما حل بك إذا استعظمت وعظمت عليه ما حل به .
( وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ( تقدّم الكلام في : بئس ، والخلاف في تركيب مثل هذه الجملة مذكور في علم النحو ، لكن التفريع