كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 2)

" صفحة رقم 40 "
مقابل أخر بين ؟ لا جمع أخرى لمعنى أخرة ، مقابلة الأخر المقابل للأول ، فإن أخر تأنيث أخرى لمعنى أخرة مصروفة . وقد اختلفا حكماً ومدلولاً . أما اختلاف الحكم فلأن تلك غير مصروفة ، وأما اختلاف المدلول : فلأن مدلول أخرى ، التي جمعها أخر التي لا تتصرف ، مدلول : غير ومدلول أخرى التي جمعها ينصرف مدلول : متأخرة ، وهي قابلة الأولى . قال تعالى : ) قَالَتْ أُولَاهُمْ لاِخْرَاهُمْ ( فهي بمعنى : الأخرة ، كما قال تعالى : ) وَإِنَّ لَنَا لَلاْخِرَةَ وَالاْولَى ( وأخر الذي مؤنثة : أخرى مفردة آخر التي لا تنصرف بمعنى : غير ، لا يجوز أن يكون ما اتصل به إلاَّ مِن جنس ما قبله ، تقول : مررت بك وبرجل آخر ، ولا يجوز : اشتريت هذا الفرس وحماراً آخر ، لأن الحمار ليس من جنس الفرس ، فأما قوله : صلى على عزة الرحمن وابنتها
ليلى ، وصلى على جاراتها الآخر
فإنه جعل : ابنتها جارة لها ، ولولا ذلك لم يجز ، وقد أمعنا الكلام على مسألة أخرى في كتابتا ( التكميل ) .
قالوا : واتفقت الصحابة ومن بعدهم من التابعين وفقهاء الأمصار على جواز الصوم للمسافر ، وأنه لا قضاء عليه إذا صام ، لأنهم ، كما ذكرنا ، قدروا حذفاً في الآية ، والأصل : أن لا حذف ، فيكون الظاهر أن الله تعالى أوجب على المريض والمسافر عدة من أيام أخر ، فلو صاما لم يجزهما ، ويجب عليهما صوم عدة ما كانا فيه من الأيام الواجب صومها على غيرهما .
قالوا : وروي عن أبي هريرة أنه قال : من صام في السفر فعليه القضاء وتابعه عليه شواذ من الناس ، ونقل ذلك ابن عطية عن عمر ، وابنه عبد الله ، وعن ابن عباس : أن الفطر في السفر عزيمة ونقل غيره عن عبد الرحمن بن عوف : الصائم في السفر كالمفطر في الحضر ، وقال به قوم من أهل الظاهر ، وفرق أبو محمد بن حزم بين المريض والمسافر فقال ، فيما لخصناه في كتابنا المسمى بالأنور الأجلى في اختصار المحلي ما نصبه : ويجب على من سافر ولو عاصياً ميلاً فصاعداً الفطر إذا فارق البيوت في غير رمضان ، وليفطر المريض ويقضي بعد ، ويكره صومه ويجزى ، وحجج هذه الأقوال في كتب الفقه . وثبت بالخبر المستفيض أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) صام في السفر ، وروي ذلك عنه أبو الدرداء ، وسلمة بن المحنق ، وأبو سعيد ، وجابر ، وأنس ، وابن عباس عنه إباحة الصوم والفطر في السفر ، بقوله لحمزة بن عمر ، والأسلمي وقد قال : أصوم في السفر ؟ قال : ( إن شئت فصم ، وإن شئت فأفطر ) وعلى قول الجمهور : أن محذوفاً ، وتقديره : فأفطر ، وأنه يجوز للمسافر أن يفطر وأن يصوم .
واختلفوا في الأفضل ، فذهب أبو حنيفة ، وأصحابه ، ومالك ، والشافعي في بعض ما روي عنهما : إلى أن الصوم أفضل ، وبه قال من الصحابة : عثمان بن أبي العاص الثقفي ، وأنس بن مالك .
قال ابن عطية : وذهب أنس بن مالك إلى الصوم ، وقال : إنما نزلت الرخصة ونحن جياع نروح إلى جوع ، وذهب الأوزاعي وأحمد وإسحاق إلى أن الفطر أفضل ، وبه قال من الصحابة ابن عمر ، وابن عباس . ومن التابعين : ابن المسيب ، والشعبي ، وعمر بن عبد العزيز ، ومجاهد ، وقتادة .
قال ابن عطية : وقال مجاهد وعمر بن عبد العزيز وغيرهما : أيسرهما أفضلهما .
وكره ابن حنبل الصوم في السفر ، ولو صام في السفر ثم أفطر من غير عذر فعليه القضاء فقط ، قاله الأوزاعي ، وأبو حنيفة ، وزاد الليث ، والكفارة

الصفحة 40