كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 2)

" صفحة رقم 45 "
للمقيمين المطيقين الصوم ، أي : خير لكم من الفطر والفدية ، أو للمريض والمسافر ، أي : خير لكم من الفطر والقضاء ، أو : لمن أبيح له الفطر من الجميع . أقوال ثلاثة .
وأبعد من ذهب إلى أنه متعلق بأول الآية ، وهو ) رَّحِيمٌ يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصّيَامُ ( أي : وأن تصوموا ذلك المكتوب خير لكم ، والظاهر الأول ، وفيه حض على الصوم .
( إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ( من ذوي العلم والتمييز ، ويجوز أن يحذف اختصاراً لدلالة الكلام عليه أي : ما شرعته وبينته لكم من أمردينكم ، أو فضل أعمالكم وثوابها ، أو كنى بالعلم عن الخشية أي : تخشون الله ، لأن العلم يقتضي خشيته ) إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء ).
البقرة : ( 185 ) شهر رمضان الذي . . . . .
( شَهْرُ رَمَضَانَ ( قرأ الجمهور برفع شهر ، وقرأه بالنصب مجاهد ، وشهر : دين حوشب وهارون الأعور : عن أبي عمرو ، وأبو عمارة : عن حفص عن عاصم . وإعراب شهر يتبين على المراد بقوله : ) أَيَّامًا مَّعْدُوداتٍ ( فإن كان المراد بها غير أيام رمضان فيكون رفع شهر على أنه مبتدأ ، وخبره قوله : ) الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ( ويكون ذكر هذه الجملة تقدمة لفرضية صومه بذكر فضيلته والتنبيه على أن هذا الشهر هو الذي أنزل فيه القرآن هو الذي يفرض عليكم صومه ، وجوزوا أن يكون : الذي أنزل ، صفة . إما للشهر فيكون مرفوعاً ، وإما لرمضان فيكون مجروراً .
وخبر المبتدأ والجملة بعد الصفة من قوله : ) فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ ( وتكون الفاء في : فمن ، زائدة على مذهب أبي الحسن ، ولا تكون هي الداخلة في خبر المبتدأ إذا كان منها للشرط ، لأن شهر رمضان لا يشبه الشرط ، قالوا : ويجوز أن لا تكون الفاء زائدة ، بل دخلت هنا كما دخلت في خبر الذي ، ومثله : ) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِى تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ( وهذا الذي قالوه ليس بشيء ، لأن الذي ، صفة لعلم ، أو لمضاف لعلم ، فليس يتخيل فيه شيء ما من العموم ، ولمعنى الفعل الذي هو ) أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ( لفظاً ومعنى ، فليس كقوله قل : ) إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِى تَفِرُّونَ مِنْهُ ( لأن الموت هنا ليس معيناً ، بل فيه عموم . وصلة الذي مستقبلة ، وهي : تفرون ، وعلى القول ، بأن الجملة من قوله ) فَمَن شَهِدَ ( هي الخبر ، يكون العائد على المبتدأ تكرار المبتدأ بلفظه ، أي : ) فمن شهده منكم فليصمه ، فأقام لفظ المبتدأ مقام الضمير ، وحصل به الربط كما في قوله :
لا أرى الموت يسبق الموت شيء
وذلك لتفخيمه وتعظيمه وإن كان المراد بقوله : ) أياماً معدودات ( أيام رمضان ، فجوزوا في إعراب شهر وجهين .
أحدهما : أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره هو : شهر رمضان ، أي : المكتوب شهر رمضان ، قاله الأخفش ، وقدره الفراء : ذلكم شهر وهو قريب .
الثاني : أن يكون بدلاً من قوله : الصيام أي : كتب عليكم شهر رمضان ، قاله الكسائي ، وفيه بعد لوجهين : أحدهما : كثرة الفضل بين البدل والمبدل منه ، والثاني : أنه لا يكون إذ ذاك إلاَّ مِن بدل الإشتمال ، لا وهو عكس بدل الاشتمال ، لأن بدل الاشتمال في الغالب يكون بالمصادر كقوله تعالى : ) يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ( وقول الأعشى :

الصفحة 45