كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 2)

" صفحة رقم 456 "
وصف . اسم الفاعل وما جرى مجراه إذا وصف قبل أخذ معموله لا يجوز له إذ ذاك أن يعمل على خلاف لبعض الكوفيين في ذلك ، ولأن اتصافه تعالى : بسميع عليم ، لا يتقيد بذلك الوقت .
وذهب أبو عبيدة إلى أن إذ زائدة ، المعنى : قالت امرأة عمران . وتقدّم له نظير هذا القول في : مواضع ، وكان أبو عبيدة يضعف في النحو .
وانتصب محرراً ، على الحال . قيل : من ما ، فالعامل : نذرت وقيل من الضمير الذي في : استقر ، العامل في الجار والمجرور ، فالعامل في هذا : استقر ، وقال مكي فمن نصبه على النعت لمفعول محذوف يقدّره : غلاماً محرراً . وقال ابن عطية : وفي هذا نظر ، يعني أن : نذر ، قد أخذ مفعوله ، وهو : ما في بطني ، فلا يتعدّى إلى آخره ، ويحتمل أن ينتصب : محرراً ، على أن يكون مصدراً في معنى : تحريراً ، لأن المصدر يجوز أن يكون على زنة المفعول من كل فعل زائد على الثلاثة ، كما قال الشاعر : ألم تعلم مسرجي القوافي
فلاعياً بهنّ ولا اجتلابا
التقدير : تسريجي القوافي ، ويكون إذ ذاك على حذف مضاف ، أي : نذر تحرير ، أو على أنه مصدر من معنى : نذرت ، لأن معنى : ) نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي ( حررت لك بالنذر ما في بطني . والظاهر القول الأول ، وهو أن يكون حالاً من : ما ، ويكون ، إذ ذاك حالاً مقدّرة إن كان المراد بقوله : محرراً ، خادماً للكنيسة ، وحالاً مصاحبة إن كان المراد عتيقاً ، لأن عتق ما في البطن يجوز .
وكتبوا : امرأة عمران ، بالتاء لا بالهاء ، وكذلك امرأة العزيز في موضعين ، وامرأة نوح ، وامرأة لوط ، وامرأة فرعون . سبعة مواضع ، فأهل المدينة يقفون بالتاء اتباعاً لرسم المصحف مع أنها لغة لبعض العرب يقفون على طلحة طلحت ، بالتاء . ووقف أبو عمرو ، والكسائي : بالهاء ولم يتبعوا رسم المصحف في ذلك ، وهي لغة أكثر العرب ، وذكر المفسرون سبب هذا الحمل الذي اتفق لامرأة عمران فروي أنها كانت عاقراً ، وكانوا أهل بيت لهم عند الله مكانة ، فبينا هي يوماً في ظل شجرة نظرت إلى طائر يذق فرخاً له ، فتحركت به نفسها للولد ، فدعت الله تعالى أن يهب لها ولداً . فحملت . ومات عمران زوجها وهي حامل ، فحسبت الحمل ولداً فنذرته لله حبيساً لخدمة الكنيسة أو بيت المقدس ، وكان من عادتهم التقرب بهبة أولادهم لبيوت عباداتهم ، وكان بنو ماثان رؤوس بني إسرائيل وملوكهم وأحبارهم ، ولم يكن أحد منهم إلاَّ ومن نسله محرر لبيت المقدس من الغلمان ، وكانت الجارية لا تصلح لذلك ، وكان جائزاً في شريعتهم ، وكان على أولادهم أن يطيعوهم ، فإذا حرر خدم الكنيسة بالكنس والإسراج حتى يبلغ ، فيخير ، فإن أحب أن يقيم في الكنيسة أقام فيها ، وليس له الخروج بعد ذلك ، وإن أحب أن يذهب ذهب حيث شاء ، ولم يكن أحد من الأنبياء والعلماء إلاَّ ومن نسله محرر لبيت المقدس .
آل عمران : ( 36 ) فلما وضعتها قالت . . . . .
( فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبّ إِنّى وَضَعْتُهَا أُنثَى ( أنث الضمير في وضعتها حملاً على المعنى في : ما ، لأن ما في بطنها كان أنثى في علم الله تعالى وقال ابن عطية : حملاً على الموجدة ، ورفعاً للفظ : ما ، في قولها : ما في بطني . وقال الزمخشري : أو على تأويل الجبلة ، أو النفس ، أو النسمة . جواب : لما ، هو : قالت وخاطبت ربها على سبيل التحسر على ما فاتها من رجائها ، وخلاف ما قدّرت لأنها كانت ترجو أن تلد ذكراً يصلح للخدمة ، ولذلك نذرته محرراً . وجاء في قوله : ) إِنّى وَضَعْتُهَا ( الضمير مؤنثاً ، فإن كان على معنى النسمة أو النفس فظاهر ، إذ تكون الحال في قوله : أنثى ، مبينة إذا النسمة والنفس تنطلق على المذكر والؤنث .

الصفحة 456