" صفحة رقم 458 "
لاسمها ، وأن تصدّق فيها ظنها بها . ألا ترى إلى إعاذتها بالله وإعاذة ذريتها من الشيطان ؟ وخاطبت الله بهذا الكلام لترتب لاستعاذة عليه ، واستبدادها بالتسمية يدل على أن أباها عمران كان قد مات ، كما نقل أنه مات وهي حامل ، على أنه يحتمل من حيث هي أنثى أن تستبدّ الأمّ بالتسمية لكراهة الرجال البنات ، وفي الآية تسمية الطفل قرب الولادة ، وفي الحديث : ( ولد لي الليلة مولود فسميته باسم أبي إبراهيم ) . وفي الحديث أنه : ( يعق عن المولود في السابع ويسمى ) .
وهذه الجملة معطوفة على ما قبلها من كلامها ، وهي كلها داخله تحت القول على قراءة من قرأ : بما وضعت ، بضم التاء . وأما من قرأ : بما وضعت ، بسكون التاء أو بالكسر . فقال الزمخشري : هي معطوفة على : إني وضعتها أنثى ، وما بينهما جملتان معترضان ، كقوله : ) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ). إنتهى كلامه . ولا يتعين ما ذكر من أنهما جملتا معترضتان ، لأنه يحتمل أن يكونه ) وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالاْنثَى ( في هذه القراءة من كلامها ، ويكون المعترض جملة واحدة ، كما كان من كلامها في قراءة من قرأ : وضعت ، بضم التاء ، بل ينبغي أن يكون هذا المتعين لثبوت كونه من كلامها في هذه القراءة ، لأن في اعتراض جملتين خلافاً مذهب أبي علي : أنه لا يعترض جملتان وقد تقدّم لنا الكلام على ذلك .
وأيضاً تشبيهه هاتين الجملتين اللتين اعترض بهما بين المعطوف والمعطوف عليه على زعمه بقوله : ) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ( ليس تشبيهاً مطابقاً للآية ، لأنه لم يعترض جملتان بين طالب ومطلوب ، بل اعترض بين القسم الذي هو : ) فَلاَ أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ ( وجوابه الذي هو : ) إِنَّهُ لَقُرْءانٌ كَرِيمٌ ( بجملة واحدة وهي قوله : ) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ( لكنه جاء في جملة الأعتراض بين بعض أجزائه وبعض ، اعتراض بجملة وهي قوله : ) لَّوْ تَعْلَمُونَ ( اعترض به بين المنعوت الذي هو : لقسم ، وبين نعته الذي هو : عظيم ، فهذا اعتراض في اعتراض ، فليس فصلاً بجملتي اعتراض لقوله : ) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالاْنثَى ( وسمي من الأفعال التي تتعدى إلى واحد بنفسها ، وإلى آخر بحرف الجر ، ويجوز حذفه واثباته هو الأصل ، يقول سميت ابني بزيد ، وسميته زيداً . قال : وسميت كعباً بشر العظام
وكان أبوك يسمى الجعل
أي : وسميت بكعب ، ويسمى : بالجعل ، وهو باب مقصور على السماع ، وفيه خلاف عن الأخفش الصغير ، وتحرير ذلك في علم النحو .
( وِإِنّى أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ( أتى خبر : إن ، مضارعاً وهو : أعيذها ، لأن مقصودها ديمومة الإستعاذة ، والتكرار بخلاف : وضعتها ، وسميتها ، فإنهما ماضيان قد انقطعا ، وقدّمت ذكر المعاذ به على المعطوف على الضمير للأهتمام به ، ثم استدركت بعد ذلك الذكر ذريتها ، ومناجاتها الله بالخطاب السابق إنما هو وسيلة إلى هذة الاستعاذة ، كما يقدّم الانسان بين يدى مقصوده ما يستنزل به إحسان من يقصده ، ثم يأتي بعد ذلك بالمقصود ، وورد في الحديث ، من رواية أبي هريرة : ( كل مولولد من بني آدم له طعنة من الشيطان ، وبها يستهل الصبي ، إلاَّ ما كان من مريم ابنة عمران وابنها ، فإن أمّها قالت حين وضعتها : واني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم . فضرب بينهما حجاب فطعن الشيطان في الحجاب ) .
وقد اختلفت ألفاظ هذا الحديث من طرق ، والمعنى واحد . وطعن القاضي عبد الجبار في هذا الحديث ، قال : لأنه خبر واحد على خلاف