كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 2)

" صفحة رقم 465 "
الإمام من المسجد ، وهو قول جمهور المفسرين . وقيل : القبلة . والظاهر أن المحراب هو المحراب الذي قبله في قوله : ) كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ ( ففي المكان الذي رأى فيه خرق العادة ، فيه دعا ، وفيه جاءته البشارة . وهذا يدل على مشروعية الصلاة في شريعتهم .
وقيل : الصلاة هنا الدعاء ، وفي الآية دليل على جواز نداء المتلبس بالصلاة وتكليمه ، وإن كان في ذلك شغل له عن صلاته .
وهذه الجملة في موضع نصب على الحال من ضمير المفعول ، أو من الملائكة ، و : يصلي ، يحتمل أن يكون صفة : لقائم ، ويحتمل أن يكون حالاً من الضمير المستكن في : قائم ، أو : من ضمير المفعول ، على مذهب من جوّز حالين من ذي حال واحد ، ويحتمل أن يكون خبراً ثانياً : لهو ، على مذهب من يجيز تعداد الأخبار لمبتدأ واحد ، وإن لم تكن في معنى خبر واحد .
ويتعلق : في المحراب ، بقوله : يصلي ، ولا يجوز أن يتعلق : بقائم ، في وجه من احتمالات إعراب : يصلي ، إلا في وجه واحد ، وهو أن يكون : يصلي ، حالاً من الضمير الذي استكن في : قائم ، فيجوز . لأنه إذ ذاك يتحد العامل فيه وفي : يصلى ، وهو : قائم ، لأن العامل إذ ذاك في الحال هو : قائم ، إذ هو العامل في ذي الحال ، وبه يتعلق المجرور .
وفي قوله : ) قَائِمٌ يُصَلّى فِى الْمِحْرَابِ ( قالوا : دلالة على جواز قيام الإمام في محرابه ، وقد كرهه أبو حنيفة ، وقال : كان ذلك شرعاً لمن قبلنا .
ورقق وَرش راء : المحراب ، وأمال الراء ابن ذكوان إذا كانت : المحراب ، مجروراً ونسب ذلك أبو علي إلى ابن عامر . ولم يقيد بالجر .
( أَنَّ اللَّهَ يُبَشّرُكَ بِيَحْيَى ( قرأ ابن عامر ، وحمزة : إن الله ، بكسر الهمزة . فعند البصريين الكسر على إضمار القبول ، أي : وقالت . وعند الكوفيين لا إضمار ، لأن غير القول مما هو في معناه : كالنداء والدعاء ، يجري مجرى القول في الحكاية ، فكسرت بنادته ، لأن معناه قالت له .
وقرأ الباقون بفتح الهمزة ، وهو معمول لباء محذوفة في الأصل ، أي بتبشير :
وحين حذفت فالموضع نصب بالفعل أو جر بالباء المحذوفة ، قولان قد تقدما في غير ما موضع من هذا الكتاب .
وقرأ عبد الله : يا زكريا إن الله . فقوله : يا زكرياء ، هو معمول النداء . فهو في موضع نصب ، ولا يجوز فتح : إن ، على هذه القراءة ، لأن الفعل قد استوفى مفعوليه ، وهما : الضمير والمنادى . وتبليغ البشارة على لسان الرسول إلى المرسل إليه ليست بشارة من الرسول ، بل من المرسل . ألا ترى إضافة ذلك إليه في قوله : يبشرك ؟ وقد قال في سورة مريم : ) رَضِيّاً يازَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشّرُكَ ( فأسند ذلك إليه تعالى . وقرأ حمزة ، والكسائي : يبشرك ، في الموضعين في قصة زكريا وقصة مريم ، وفي الإسراء ، وفي الكهف ، وفي الشورى ، من : بشر ، مخففاً . وافقهما ابن كثير ، وأبو عمر ، وفي الشورى زاد حمزة في الحجر : ألا فبم تبشرون ، ومريم وقرأ الباقون : يبشر ، من بشر المضعف العين وقرأ عبد الله يبشر في جميع القرآن من أبشر ، وهي لغىً ثلاث ذكرها غير واحد من اللغويين وقال الشاعر : بَشَرْتُ عِيالي إِذ رأيتُ صحيفة
أتتك من الحجاج يتُلى كتابها
وقال الآخر : يا بشر حق لوجهك التَّبشير
هلا غضبت لنا وأنت أمير
بيحيى ، متعلق بقوله : نبشرك ، والمعنى : بولادة يحيى منك ومن امرأتك ، فإن كان أعجمياً فمنع صرفه للعلمية والعجمة ، وإن كان عربياً فللعلمية ووزن الفعل ، كيعمر . وقد ذكرنا هذا .
وهذا الذي عليه كثير من المفسرين لاحظوا فيه

الصفحة 465