" صفحة رقم 473 "
قول عامة الفقهاء .
( وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا ( قيل : الذكر هنا هو بالقلب ، لأنه منع من الكلام . وقيل : باللسان لأنه منع من الكلام مع الناس ولم يمنع من الذكر . وقيل : هو على حذف مضاف ، أي : واذكر عطاء ربك وإجابته دعائك . وقال محمد بن كعب القرظي : لو رخص لأحد في ترك الذكر لرخص لزكريا ، وللرجل في الحرب . وقد قال تعالى : ) إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَثِيراً ( وأمر بكثرة الذكر ليكثر ذكر الله له بنعمه وألطافه ، كما قال تعالى : ) فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ ).
وانتصاب : كثيراً ، على أنه نعت لمصدر محذوف ، أو منصوب على الحال من ضمير المصدر المحذوف الدال عليه : اذكروا ، على مذهب سيبويه .
( وَسَبّحْ بِالْعَشِىّ وَالإبْكَارِ ( أي : نزه الله عن سمات النقص بالنطق باللسان بقولك : سبحان الله . وقيل : معنى وسبح وصلّ ، ومنه : كان يصلي سبحة الضحى أربعاً ، فلولا أنه كان من المسبحين على أحد الوجهين .
والظاهر أنه أمر بتسبيح الله في هذين الوقتين : أول الفجر ، ووقت ميل الشمس للغروب ، قاله مجاهد وقال غيره : يحتمل أن يكون أراد بالعشيّ الليل ، وبالإبكار النهار ، فعبر بجزء كل واحد منهما عن جملته ، وهو مجاز حسن .
ومفعول : وسبح ، محذوف للعلم به ، لأن قبله : ) وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا ( أي : وسبح ربك . و : الباء في : بالعشي ، ظرفية أي : في العشي .
وقرىء شاذاً والإبكار ، بفتح الهمزة ، وهو جمع بكر بفتح الباء والكاف ، تقول : أتيتك بكراً ، وهو مما يلتزم فيه الظرفية إذا كان من يوم معين ونظيره : سحر وأسحار ، وجبل وأجبال . وهذه القراءة مناسبة للعيش على قول من جعله جمع عشية إذ يكون فيها تقابل من حيث الجمعية ، وكذلك هي مناسبة إذا كان العيش مفرداً ، وكانت الألف واللام فيه للعموم ، كقوله : ) إِنَّ الإنسَانَ لَفِى خُسْرٍ ( وأهلك الناس الدينار الصفر .
وأما على قراءة الجمهور : والإبكار ، بكسر الهمزة ، فهو مصدر ، فيكون قد قابل العشي الذي هو وقت ، بالمصدر ، فيحتاج إلى حذف أي : بالعشي ووقت الإبكار . والظاهر في : بالعشي والإبكار ، أن الألف واللام فيهما للعموم ، ولا يراد به عشى تلك الثلاثة الأيام ولا وقت الإبكار فيها .
وقال الراغب : لم يعن التسبيح طرفي النهار فقط ، بل إدامة العبادة في هذه الأيام . وقال غيره : يدل على أن المراد بالتسبيح الصلاة ، ذكره العشي وازبكار فكأنه قال : اذكر ربك في جميع هذه الأيام والليالي ، وصل طرفي النهار . إنتهى .
ويتعلق : بالعشي ، بقوله : وسبح ، ويكون على إعمال الثاني وهو الأولى ، إذ لو كان متعلقاً بقوله : واذكر ربك ، لأضمر في الثاني ، إذ لا يجوز حذفه إلا في ضرورة .
قيل : أو في قليل من الكلام ، ويحتمل أن يكون من باب الإعمال ، فيكون الأمر بالذكر غير مقيد بهذين الزمانين .
قيل : وتضمنت هذه الآية من فنون الفصاحة أنواعاً : الزيادة في البناء في قوله : هنالك ، وقد ذكرت فائدته و : التكرار ، في ربه : قال رب ، وفي أن الله يبشرك ، وبكلمة من الله . وفي آية قال : آيتك ، وفي : يكون لي غلام كانت وتأنيث المذكر حملاً على اللفظ . وفي : ذرية طيبة ، و : الإسناد المجازي في : وقد بلغني الكبر ، والسؤال والجواب : قال رب أني ؟ قال كذلك قال رب ، اجعل لي آية . قال : آيتك .
قال أرباب الصناعة : أحسن هذا النوع ما كثرت فيه القلقلة والحذف في مواضع .