كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 2)

" صفحة رقم 482 "
كيف أصبحت كيف أمسيت مما
يزرع الود في فؤاد الكريم ؟
أي : مجموع هذا مما يزرع الود ، فلما جاز في المبتدأ أن يتعدد دون حرف عطف إذا كان المعنى على المجموع ، كذلك يجوز في الخبر . وأجاز أبو البقاء أن يكون : ابن مريم ، خبر مبتدأ محذوف أي : هو ابن مريم ، ولا يجوز أن يكون بدلاً مما قبله ، ولا صفة لأن : ابن مريم ، ليس باسم . ألا ترى أنك لا تقول : اسم هذا الرجل ابن عمرو إلاَّ إذا كان علماً عليه ؟ إنتهى .
قال بعضهم : ومن قال إن المسيح صفة لعيسى ، فيكون في الكلام تقديم وتأخير تقديره : اسمه عيسى المسيح ، لأن الصفة تابعة لموصوفها . إنتهى . ولا يصح أن يكون المسيح في هذا التركيب صفة ، لأن المخبر به على هذا اللفظ ، والمسيح من صفة المدلول لا من صفة الدال ، إذ لفظ عيسى ليس المسيح .
ومن قال : إنهما اسمان تقدم المسيح على عيسى لشهرته . قال ابن الأنباري : وإنما بدأ بلقبه لأن : المسيح ، أشهر من : عيسى ، لأنه قل أن يقع على سمي يشتبه ، وعيسى قد يقع على عدد كثير ، فقدمه لشهرته . ألا ترى أن ألقاب الخلفاء أشهر من أسمائهم ؟ وهذا يدل على أن المسيح عند ابن الأنباري لقب لا اسم .
قال الزجاج : وعيسى معرب من : ايسوع ، وإن جعلته عربياً لم ينصرف في معرفة ولا نكرة لأن فيه ألف تأنيث ، ويكون مشتقاً من : عاسه يعوسه ، إذا ساسه وقام عليه .
وقال الزبمخشري : مشتق من العيس كالرقم في الماء .
( وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ ( قال ابن قتيبة : الوجيه ذو الجاه ، يقال : وجه الرجل يوجه وجاهة . وقال ابن دريد : الوجيه المحب المقبول . وقال الأخفش : الشريف ذو القدر والجاه . وقيل : الكريم على من يسأله ، لأنه لا يرده لكرم وجهه .
ومعناه في حق عيسى أن وجاهته في الدنيا بنبوته ، وفي الآخرة بعلو درجته . وقيل : في بالدنيا بالطاعة ، وفي الآخرة بالشفاعة . وقيل : في الدنيا بإحياء الموتى وإبراء الأكمة والأبرص ، وفي الآخرة بالشفاعة . وقيل : في الدنيا كريماً لا يرد وجهه ، وفي الآخرة في علية المرسلين . وقال الزمشخري : الوجاهة في الدنيا النبوة والتقدم على الناس ، وفي الآخرة الشفاعة وعلو الدرجة في الجنة . وقال ابن عطية : وجاهة عيسى في الدنيا نبوته وذكره ورفعه ، وفي الآخرة مكانته ونعميه وشفاعته .
( وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ( معناه من الله تعالى . وقال الزمخشري : وكونه من المقرّبين رفع إلى السماء وصحبته الملائكة . وقال قتادة : ومن المقربين عند الله يوم القيامة . وقيل : من الناس بالقبول والإجابة ، قاله الماوردي . وقيل : معناه : المبالغ في تقريبهم ، لأن فعل من صغ المبالغة ، فقال : قرّبه يقرّبه إذا بالغ في تقريبه إنتهى . وليس فعل هنا من صبغ المبالغة ، لأن التضعيف هنا للتعدية ، إنما يكون للمبالغة في نحو : جرّحت زيداً و : موّت الناس .
( وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ( معطوف على قوله : وجيهاً ، وتقديره : ومقرباً من جملة المقربين .
أعلم تعالى أن ثَمَّ مقربين ، وأن عيسى منهم . ونظير هذا العطف قوله تعالى : ) وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ وَبِالَّيْلِ ( فقوله : وبالليل ، جار ومجرور في موضع الحال ، وهو معطوف على : مصبحين ، وجاءت هذه الحال هكذا لأنها من الفواصل ، فلو جاء : ومقرباً ، لم تكن فاصلة ، وأيضاً فأعلم تعالى أن عيسى مقرب من جملة المقربين ، والتقريب صفة جليلة عظيمة . ألا ترى إلى قوله : ) وَلاَ الْمَلَئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ( ؟ وقوله : ) فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ ( وهو تقريب من الله تعالى بالمكانة والشرف وعلو المنزلة .
آل عمران : ( 46 ) ويكلم الناس في . . . . .
( وَيُكَلّمُ النَّاسَ فِى الْمَهْدِ وَكَهْلاً ( وعطف : ويكلم ، وهو حال أيضاً على : وجيهاً ، ونظيره : ) إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ( أي : وقابضات . وكذلك : ويكلم ، أي : ومكلماً . وأتى في الحال الأولى بالاسم لأن الأسم

الصفحة 482