كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 2)

" صفحة رقم 486 "
أحدها : أن يكون منصوباً بإضمار فعل تقديره : ويجعله رسولاً إلى بني إسرائيل ، قالوا : فيكون مثل قوله : يا ليت زوجك قد غدا
متقلداً سيفاً ورمحاً
أي : ومعتقلاً رمحاً . لما لم يمكن تشريكه مع المنصوبات قبله في العامل الذي هو : يعلمه ، أضمر له فعل ناصب يصح به المعنى ، قاله ابن عطية وغيره .
الثاني : أن يكون معطوفاً على : ويعلمه ، فيكون : حالاً ، إذ التقدير : ومعلماً الكتاب ، فهذا كله عطف بالمعنى على قوله : وجيهاً ، قاله الزمخشري ، وثنى به ابن عطية ، وبدأ به وهو مبني على إعراب : ويعلمه وقد بينا ضعف إعراب من يقول : إن : ويعلمه ، معطوف على : وجيهاً ، للفصل المفرط بين المتعاطفين .
الثالث : أن يكون منصوباً على الحال من الضمير المستكن في : ويكلم ، فيكون معطوفاً على قوله : وكهلاً ، أي : ويكلم الناس طفلاً وكهلاً ورسولاً إلى بني إسرائيل ، قاله ابن عطية ، وهو بعيد جداً لطول الفصل بين المتعاطفين .
الرابع : أن تكون الواو زائدة ، ويكون دالاً من ضمير : ويعلمه ، قاله الأخفش ، وهو ضعيف لزيادة الواو ، لا يوجد في كلامهم : جاء زيد وضاحكاً ، أي : ضاحكاً .
الخامس : أن يكون منصوباً على إضمار فعل من لفظ رسول ، ويكون ذلك الفعل معمولاً لقول من عيسى ، التقدير : وتقول أرسلت رسولاً إلى بني إسرائيل ، واحتاج إلى هذا التقدير كله ، لقوله : ) أَنّى قَدْ جِئْتُكُمْ ( وقوله : ) وَمُصَدّقًا لّمَا بَيْنَ يَدَيَّ ( ، إذ لا يصح في الظاهر حمله على ما قبله من المنصوبات لاختلاف الضمائر ، لأن ما قبله ضمير غائب ، وهذان ضمير متكلم ، فاحتاج إلى هذا الإضمار لتصحيح المعنى . قاله الزمخشري ، وقال : هو من المضايق ، يعني من المواضع التي فيها إشكال . وهذا الوجه ضعيف ، إذ فيه إضمار القول ومعموله الذي هو : أرسلت ، والاستغناء عنهما باسم منصوب على الحال المؤكدة ، إذ يفهم من قوله : وأرسلت ، أنه رسول ، فهي على هذا التقدير حال مؤكدة .
فهذه خمسة أوجه في إعراب : ورسولاً ، أولاها الأول ، إذ ليس فيه إلاَّ إضمار فعل يدل عليه المعنى ، أي : ويجعله رسولاً ، ويكون قوله ) أَنّى قَدْ جِئْتُكُمْ ( معمولاً لرسول ، أي ناطقاً بأني قد جئتكم ، على قراءة الجمهور ، ومعمولاً لقول محذوف على قراءة من كسر الهمزة ، وهي قراءة شاذة ، أي : قائلاً إني قد جئتكم ، ويحتمل أن يكون محكياً بقوله : ورسولاً ، لأنه في معنى القول ، وذلك على مذهب الكوفيين .
وقرأ اليزيدي : ورسولٍ ، بالجر ، وخرجه الزمخشري على أنه معطوف على : بكلمة منه ، وهي قراءة شاذة في القياس لطول البعد بين المعطوف عليه والمعطوف .
وأرسل عيسى إلى بني إسرائيل مبيناً حكم التوراة ، وداعياً إلى العمل بها ، ومحللاً أشياء مما حرم فيها : كالثروب ، ولحوم الإبل ، وأشياء من الحيتان . والطير ، وكان عيسى قد هربت به أمّه من قومها إلى مصرحين عزلوا أولادهم ، ونهوهم عن مخالطته ، وحبسوهم في بيت ، فجاء عيسى يطلبهم فقالوا : ليسوا ها هنا ، فقال ما في هذا البيت ؟ قالوا : خنازير ، قال : كذلك يكونون ، ففتحوا عنهم

الصفحة 486