" صفحة رقم 509 "
آل عمران : ( 65 ) يا أهل الكتاب . . . . .
عن ابن عباس وغيره . أن اليهود قالوا : كان إبراهيم يهودياً ، وأن النصارى قالوا : كان نصرانياً . فأنزلها الله منكراً عليهم . وقال ابن عباس ، والحسن : كان إبراهيم سأل الله أن يجعل له ) لِسَانَ صِدْقٍ فِى الاْخِرِينَ ( فاستجاب الله دعاءه حتى ادعته كل فرقة .
و : ما ، في قوله : لمَ ، استفهامية حذفت ألفها مع حرف الجر ، ولذلك علة ذكرت في النحو ، وتتعلق : اللام بتحاجون ، ومعنى هذا الاستفهام الإنكار ، ومعنى : في إبراهيم ، في شرعه ودينه وما كان عليه ، ومعنى : المحاجة ، ادعاء من الطائفتين أنه منها وجدالهم في ذلك ، فرد الله عليهم ذلك بأن شريعة اليهود والنصارى متأخرة عن إبراهيم ، وهو متقدم عليهما ، ومحال أن ينسب المتقدم إلى المتأخر ، ولظهور فساد هذه الدعوى قال : ) أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ( أي : هذا كلام من لا يعقل ، إذ العقل يمنع من ذلك . ولا يناسب أن يكون موافقاً لهم ، لا في العقائد ولا في الأحكام .
أمّا في العقائد فعبادتهم عيسى وادعاؤهم أنه الله ، أو ابن الله ، أو ثالث ثلاثة . وادعاء اليهود أن عزيراً ابن الله ، ولم يكونا موجودين في زمان إبراهيم .
وأما الأحكام فإن التوراة والإنجيل فيهما أحكام مخالفة للأحكام التي كانت عليها شريعة إبراهيم ، ومن ذلك قوله ) فَبِظُلْمٍ مّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ ( وقوله : ) إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ ( وغير ذلك فلا يمكن أن يكون إبراهيم على دين حدث بعده بأزمنة متطاوله .
ذكر المؤرخون أن بين إبراهيم وموسى ألف سنة ، وبينه وبين عيسى ألفان . وروي أبو صالح عن ابن عباس : أنه كان بين إبراهيم وموسى خمسمائة سنة وخمس وسبعون سنة ، وبين موسى وعيسى ألف سنة وستمائة واثنان وثلاثون سنة .
وقال ابن إسحاق : كان بين إبراهيم وموسى خمسمائة سنة وخمس وستون سنة ، وبين موسى وعيسى ألف وتسعمائة سنة وخمس وعشرون .
والواو في : ) وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ ( لعطف جملة على جملة ، هكذا ذكروا . والذي يظهر أنها للحال كهي في قوله تعالى : ) لِمَ تَكْفُرُونَ بِأَيَاتِ اللَّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ ( وقوله ) لِمَ تَلْبِسُونَ ( ثم قال ) وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ( وقوله : ) كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْواتًا فَأَحْيَاكُمْ ( أنكر عليهم ادّعاء أن إبراهيم كان على شريعة اليهود أو النصارى ، والحال أن شريعتيهما متأخرتان عنه في الوجود ، فكيف يكون عليها مع تقدمه عليها ؟
وأمّا الحنيفية والإسلام فمن الأوصاف التي يختص بها كل ذي دين حق ، ولذلك قال تعالى : ) إِنَّ الدّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلَامُ ( إذ الحنيف هو المائل للحق ، والمسلم هو المستسلم للحق ، وقد أخبر القرآن بأن إبراهيم ) كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا ).
وفي قوله : ) أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ( توبيخ على استحالة مقالتهم ، وتنبيه على ما يظهر به غلطهم ومكابرتهم .
آل عمران : ( 66 ) ها أنتم هؤلاء . . . . .
( هأَنتُمْ هَاؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ ( الذي لهم به علم هو دينهم الذي وجدوه في كتبهم وثبت عندهم صحته ، والذي ليس لهم به علم هو أمر إبراهيم ودينه ، ليس موجوداً في كتبهم ، ولا أتتهم به أنبياؤهم ، ولا شاهدوه فيعلموه . قاله قتادة ، والسدي ، والربيع ، وغيرهم . وهو الظاهر لما حف به من قبله ، ومن بعده من الحديث في إبراهيم ، ونسب هذا القول إلى الطبري ابن عطية ، وقال : ذهب عنه أن ما كان هكذا فلا يحتاج معهم فيه إلى محاجة ، لأنهم يجدونه عند محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) كما كان هنالك على حقيقته .
وقيل : الذي لهم به علم هو أمر محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) ، لأنهم وجدوا نعته في