كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 2)

" صفحة رقم 514 "
كنت القذى في موج أخضر مزيد
قذف الأتىّ به فضلّ ضلالا
وبقول النابغة : فآب مضلُّوه بعين جلية
وغودر بالجولان حزم ونائل
وهو تفسير غير مخلص ولا خاص باللفظة ، وإنما اطرد له ، لأن هذا الضلال في الآية في البيتين اقترن به هلاك ، وأمّا أن يفسر لفظة الضلال بالهلاك فغير قويم . إنتهى .
وقال غير ابن عطية أضلّ الضلال في اللغة الهلاك من قولهم : ضل اللبن في الماء ، إذا صار مستهلكاً فيه . وقيل : معناه يوقعونكم في الضلال ، ويلقون إليكم ما يشككونكم به في دينكم ، قاله أبو علي .
( وَمَا يُضِلُّونَ إِلا أَنفُسَهُمْ ( إن كان معناه الإهلاك فالمعنى أنهم يهلكون أنفسهم وأشياعهم ، لاستحقاقهم بإيثارهم إهلاك المؤمنين سخط الله وغضبه ، وإن كان المعنى الإخراج عن الدين فذلك حاصل لهم بجحد نبوّة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) ، وتغيير صفته صاروا بذلك كفاراً ، وخرجوا عن ملة موسى وعيسى . وإن كان المعنى الإيقاع في الضلال ، فذلك حاصل لهم مع تمكنهم من اتباع الهدى بإيضاح الحجج وإنزال الكتب وإرسال الرسل .
وقال ابن عطية : إعلام أن سوء فعلهم عائد عليهم ، وأنه يبعدهم عن الإسلام . وقال الزمخشري : وما يعود وبال الضلال إلاَّ عليهم ، لأن العذاب يضاعف لهم بضلالهم وإضلالهم ، أو : وما يقدرون على إضلال المسلمين ، وإنما يضلون أمثالهم من أشياعهم . إنتهى .
( وَمَا يَشْعُرُونَ ( إن ذلك الضلال هو مختص بهم أي : لا يفطنون لذلك لما دق أمره وخفي عليهم لما اعترى قلوبهم من القساوة ، فهم لا يعلمون أنهم يضلون أنفسهم . ودل ذلك على أن من أخطأ الحق جاهلاً كان ضالاً ، أو ) وَمَا يَشْعُرُونَ ( أنهم لا يصلون إلى إضلالكم ، أو : لا يفطنون بصحة الإسلام ، وواجب عليهم أن يعلموا لظهور البراهين والحجج ، ذكره القرطبي . أو : ما يشعرون أن الله يدل المسلمين على حالهم ، ويطلعهم على مكرهم وضلالتهم ، ذكره ابن الجوزي .
وفي قوله : ما يشعرون ، مبالغة في ذمهم حيث فقدوا المنفعة بحواسهم .
آل عمران : ( 70 ) يا أهل الكتاب . . . . .
( ياأَهْلَ ِ الْكِتَابِ لَمَن تَكْفُرُونَ بِئَيَاتِ اللَّهِ ( قال ابن عباس : هي التوراة والإنجيل من وصف النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) ، والإيمان به ، كما بين في قوله : ) يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِى التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ ( قاله قتادة ، والسدي ، والربيع ، وابن جريح . أو : القرآن من جهة قولهم : ) إِنَّمَا يُعَلّمُهُ ( ) كَفَرُواْ إِنْ هَاذَا إِلاَّ إِفْكٌ ( ) أَسَاطِيرُ الاْوَّلِينَ ( والآيات التي أظهرها على يديه من : انشقاق القمر ، وحنين الجذع ، وتسبيح الحصى ، وغير ذكل . أو : محمد والإسلام ، قاله قتادة ، أو : ما تلاه من أسرار كتبهم وغريب أخبارهم ، قاله ابن بحر أو : كتب الله ، أو : الآيات التي يبين لهم فيها صدق محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) ، وصحة نبوّته ، وأمروا فيها باتباعه ، قاله أبو علي .
( وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ ( جملة حالية أنكر عليهم كفرهم بآيات الله وهم يشهدون أنها آيات الله ، ومتعلق الشهادة محذوف ، يقدّر على حسب تفسير الآيات ، فيقدّر بما يناسب ما فسرت

الصفحة 514