كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 2)

" صفحة رقم 518 "
أنزل ، أي : واكفروا آخر المنزل ، وهذا فيه بعد ومخالفة لأسباب النزول ، ومتعلق الرجوع محذوف أي : يرجعون عن دينهم .
وظاهر الآية الدلالة على هذا القول ، وأما امتثال الأمر ممن أمر به فسكوت عن وقوعه ، وأسباب النزول تدل على وقوعه ، وهذا القول طمعوا أن ينخدع العرب به ، أو يقول قائلهم : هؤلاء أهل الكتاب القديم وجودة النظر والإطلاع ، دخلوا في هذا الأمر ورجعوا عنه ، وفيه تثبيت أيضاً لضعفائهم على دينهم .
آل عمران : ( 73 ) ولا تؤمنوا إلا . . . . .
( وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ ( اللام في : لمن ، قيل : زائدة للتأكيد ، كقوله ) عَسَى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم ( أي ردفكم ، وقال الشاعر : ما كنت أخدع للخليل بخلة
حتى يكون لي الخليل خدوعاً
أراد : ما كنت أخدع الخليل ، والأجود أن لا تكون : اللام ، زائدة بل ضمن ، آمن معنى : أقر واعترف ، فعدى باللام . وقال أبو علي : وقد تعدّى آمن باللام في قوله ) فَمَا ءامَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرّيَّةٌ ( ) وَءامَنتُمْ لَهُ ( ) وَيُؤْمِن بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ( انتهى . والأجود ما ذكرناه من جملة قول طائفة اليهود ، لأنه معطوف على كلامهم ، ولذلك قال ابن عطية : لا خلاف بين أهل التأويل أن هذا القول من كلام الطائفة . انتهى . وليس كذلك ، بل من المفسرين من ذهب إلى أن ذلك من كلام الله ، يثبت به قلوب المؤمنين لئلا يشكوا عند تلبيس اليهود وتزويرهم ، فأما إذا كان من كلام طائفة اليهود ، فالظاهر أنه انقطع كلامهم إذ لا خلاف ، ولا شك أن قوله : ) قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ ( من كلام الله مخاطباً لنبيه ( صلى الله عليه وسلم ) ) ، وما بعده يظهر أنه من كلام الله ، وأنه من جملة قوله لنبيه وأن يؤتى مفعول من أجله ، وتقدير الكلام : قل يا محمد لأولئك اليهود الذين قالوا : إن الهدى هدى الله ، لا ما رمتم من الخداع بتلك المقالة ، وذاك الفعل ، لمخافة ) أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِندَ رَبّكُمْ ( قلتم ذلك القول ودبرتم تلك المكيدة ، أي : فعلتم ذلك حسداً وخوفاً من أن تذهب رئاستكم ، ويشارككم أحد فيما أوتيتم من فضل العلم ، أو يحاجوكم عند ربكم ، أي : يقيمون الحجة عليكم عند الله إذ كتابكم طافح ، بنبوّة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) ، وملزم لكم أن تؤمنوا به وتتبعوه ، ويؤيد هذا المعنى قوله : ) قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء ( إلى آخره ، ويؤيد هذا المعنى أيضاً قراءة ابن كثير أن يؤتي على الاستفهام الذي معناه الإنكار عليهم والتقرير والتوبيخ والاستفهام الذي معناه الإنكار هو مثبت من حيث المعنى ، أي ألمخافة أن يؤتى أحد . مثل ما أوتيتم ؟ أو يحاجوكم عند ربكم قلتم ذلك وفعلتموه ؟ ويكون : أو يحاجوكم ، معطوفاً على : يؤتى ، وأو : للتنويع ، وأجازوا أن يكون : هدى الله ، بدلاً من : الهدى . لا خبراً لأن . والخبر قوله : ) أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ ( أي أن هدى الله إيتاء أحد مثل ما أوتيتم من العلم ، ويكون : أو يحاجوكم ، منصوباً بإضمار : أن ، بعد أو بمعنى : حتى ، أي : حتى يحاجوكم عند ربكم فيغلبوكم ويدحضوا حجتكم عند الله ، لأنكم تعلمون صحة دين الإسلام ، وأنه يلزمكم اتباع هذا النبي ، ولا يكون : أو يحاجوكم ، معطوفاً على :

الصفحة 518