" صفحة رقم 529 "
اللَّهِ ( عباداً جمع عبد . قال ابن عطية : ومن جموعه : عبيد وعبدّي . قال بعض اللغويين : هذه الجموع كلها بمعنى . وقال قوم : العباد لله والعبيد للبشر . وقال قوم : العبدي إنما يقال في العبيد بني العبيد ، كأنه مبالغة تقتضى الاستغراق في العبودية .
والذي استقرئت في لفظة : العباد ، أنه جمع عبد ، متى سيقت اللفظة في مضمار الترفيع والدلالة على الطاعة دون أن يقترن بها معنى التحقير وتصغير الشأن فانظر قوله تعالى : ) وَاللَّهُ رَءوفٌ بِالْعِبَادِ ( ) وَعِبَادُ مُّكْرَمُونَ ( ) قُلْ ياعِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ ( وقول عيسى في معنى الشفاعة والتعريض ) إِن تُعَذّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ).
وأما : العبيد ، فيستعمل في التحقير ، ومنه قول امرىء القيس : قولاً لدودان عبيد العصا
ما غركم بالأسد الباسل
ومنه قول حمزة بن عبد المطلب : وهل أنتم إلاَّ عبيد لأبي ، ومنه ) وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لّلْعَبِيدِ ( لأنه مكان تشقيق وإعلام بقلة انتصارهم ومقدرتهم ، وأنه تعالى ليس بظلام لهم مع ذلك ، ولما كانت لفظة العباد تقتضي الطاعة ، لم يقع هنا ، ولذلك أنس بها في قوله : ) قُلْ ياأَهْلَ عِبَادِى الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ ( فهذا النوع من النظر يسلك بك سبيل العجائب في حيز فصاحة القرآن العزيز على الطريقة العربية السليمة ، ومعنى قوله : ) كُونُواْ عِبَادًا لّى مِن دُونِ اللَّهِ ( اعبدوني واجعلوني إلهاً . انتهى كلام ابن عطية . وفيه بعض مناقشة .
أما قوله : ومن جموعه : عبيد وعبدي ، أما عبيد فالأصح أنه جمع . وقيل : اسم جمع ، و : أما عبدبي فاسم جمع ، وألفاء للتأنيث . وأما ما استقرأه أن عباداً يساق في مضمار الترفيع والدلالة على الطاعة دون أن يقترن بها معنى التحقير والتصغير ، وإيراده ألفاظاً في القرآن بلفظ العباد ، وقوله : وأما العبيد فيستعمل في تحقير ، وأنشد بيت أمرىء القيس ، وقول حمزة وقوله تعالى ) بِظَلَّامٍ لّلْعَبِيدِ ( فليس باستقراء صحيح ، وإنما كثر استعمال : عباد ، دون : عبيد ، لأن فعالاً في جمع فعل غير اليائي العين قياس مطرد ، وجمع فعل على فعيل لا يطرد .
قال سيبويه : وربما جاء فعيلاً وهو قليل ، نحو : الكليب والعبيد . انتهى .
فلما كان فعال هو المقيس في جمع : عبد ، جاء : عباد ، كثيراً . وأما ) وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لّلْعَبِيدِ ( فحسن مجيئه هنا وإن لم يكن مقيساً أنه جاء لتواخي الفواصل ، ألا ترى أن قبله ) أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ ( وبعده ) قَالُواْ ءاذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ ( فحسن مجيئه بلفظ العبيد مواخاة هاتين الفاصلتين ، ونظير هذا قوله في سورة ق : ) وَمَا أَنَاْ بِظَلَّامٍ لّلْعَبِيدِ ( لأن قبله ) قَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَىَّ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ ( وبعده ) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلاَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ ( وأما مدلوله فمدلول : عباد ، سواء .
وأما بيت امرىء القيس فلم يفهم التحقير من لفظ : عبيد ، إنما فهم من إضافتهم إلى العصا ، ومن مجموع البيت . وكذلك قول حمزة إنما فهم منه معنى التحقير من قرينة الحال التي كان عليها ، وأتى في البيت ، وفي وقول حمزة على أحد الجائزين .
وقرأ الجمهور : ثم يقول ، بالنصب عطفاً على : أن يؤتيه ، وقرأ شبل عن ابن كثير ، ومحبوب عن أبي عمرو : بالرفع على القطع أي : ثم هو يقول . وقرأ الجمهور : عباداً لي ، بتسكين ياء الإضافة . وقرأ عيسى بن عمر : بفتحها .
( وَلَاكِن كُونُواْ ( هذا على إضمار القول تقديره : ولكن يقول كونوا ربانيين ، والرباني الحكيم العالم ، قاله قتادة ، وأبو رزين . أو : الفقيه ، قاله علي ، وابن عباس ، والحسن ، ومجاهد . أو : العالم الحليم ، قاله قتادة وغيره . أو : الحكيم الفقيه ، قاله ابن عباس . أو : الفقيه العالم ، قاله الحسن ، والضحاك . أو : والي الأمر يربيهم ويصلحهم ، قاله ابن زيد .