كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 2)

" صفحة رقم 539 "
وقرأ الأعمش : كرهاً ، بضم الكاف ، والجمهور بفتحها .
( وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ( تهديد عظبم لمن اتبع وابتغى غير دين الله ، وتقدّم معنى الرجوع إليه ، ويحتمل أن يكون قد عطف على قوله : ) وَلَهُ أَسْلَمَ ( فيكون مشاركاً له في الحالية ، وكأنه نعى عليهم ابتغاء غير دين من انقاد إليه المكلفون كلهم ومن إليه مرجعهم ، فيجازيهم على أعمالهم . والمعنى : أن من كان بهاتين الصفتين لا يبتغي ديناً غير دينه ، ويحتمل أن يكون اسئتنافاً وإخباراً بأنه تعالى إليه مصيرهم ومنقلبهم فيجازيهم بأعمالهم .
وقرأ حفص ، وعباس ، ويعقوب ، وسهل : يرجعون ، بالياء على الغيبة ، فيحتخمل أن يكون عائداً على من أسلم ، ويحتمل أن يكون عائداً على غير ضمير يبغون ، فيكون على سبيل الالتفات على قراءة من قرأ : تبغون ، بالتاء إذ يكون قد انتقل من خطاب إلى غيبة . وقرأ الباقون : بالتاء ، فإن عاد الضمير على من كان التفاتاً ، أو على ضمير : تبغون ، كان التفاتاً على قراءة من قرأ : يبغون ، بالياء ، أو يكون قد انتقل من غيبة إلى خطاب .
آل عمران : ( 84 ) قل آمنا بالله . . . . .
( قُلْ ءامَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْراهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالاْسْبَاطِ وَمَا أُوتِىَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ ( هذه الآية موافقة لما في البقرة إلاَّ في : قل ، وفي : علينا ، وفي : عيسى والنبيون ، وقد تقدّم شرح ما في البقرة فأغنى عن إعادته هنا ، إلاَّ ما وقع فيه الخلاف ، فنقول : الظاهر في : قل ، أنه خطاب للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) ، أمر أن يخبر عن نفسه وعن أمته بقوله : آمنا به ، ويقوي أنه إخبار عنه وعن أمته قوله أخيراً : ونحن له مسلمون . وأفرده بالخطاب بقوله : قل ، لأنه تقدّم ذكره في أخذ الميثاق في قوله : ثم جاءكم رسول ، فعينه في هذا التكليف ليظهر فيه كونه مصدّقاً لما مع الأنبياء الذين أخذ عليهم الميثاق . وقال : آمنا ، تنبيهاً على أن هذا التكليف ليس من خواصه ، بل هو لازم لكل المؤمنين . قال تعالى : ، كل آمن بالله ( بعد قوله : ) ( بعد قوله : ) الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ ).
قال الزمخشري ويجوز أن يؤمر بأن يتكلم عن نفسه كما يتكلم الملوك إجلالاً من الله لقدر نبيه وقال ابن عطية : المعنى قل يا محمد ، أنت وأمتك : آمنا بالله ، فيظهر من كلام ابن عطية أن ثم معطوفاً حذف ، وأن ثم الأمر متوجه إلى النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) وأمته .
وأما تعدية أنزل ، هنا : بعلى ، وفي البقرة بإلى فقال ابن عطية : الإنزال على نبي الأمة إنزال عليها .
وقال الزمخشري : فإن قلت لم عدَّى أنزل في هذه الآية بحرف الاستعلاء ، وفيما تقدّم من مثلها بحرف الانتهاء ؟ .
قلت لوجود المعنيين جميعاً ، لأن الوحي ينزل من فوق وينتهى إلى الرسل ، فجاء تارة بأحد المعنيين وأخرى بالآخر .
وقال الراغب : إنما قال هنا : على ، لأن ذلك لما كان خطاباً للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) ، وكان واصلاً إليه من الملأ الأعلى بلا واسطة بشر كان لفظ على المختص بالعلوّ أولى به ، وهناك ، لما كان خطاباً للأمة ، وقد وصل إليهم بواسطة النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) ، كان لفظ : إلى ، المختص بالإيصال أولى ، ويجوز أن يقال : أنزل عليه إنما على ما أمر المنزل عليه أن يبلغ غيره ، وأنزل إليه على ما خص به في نفسه . وإليه نهاية الإنزال ، وعلى ذلك قال : ) أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ ( وقال : ) وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذّكْرَ لِتُبَيّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزّلَ إِلَيْهِمْ ( خص هنا : بإلى ، لما كان مخصوصاً بالذكر الذي هو بيان المنزل ، وهذا كلام في الأولى لا في الوجوب . انتهى كلامه .
وذكر الزمخشري أن : من قال هذا الفرق فقد تعسف ، قال : ألا ترى إلى قوله : ) بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ ( ) وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ ( وإلى قوله : ) وَقَالَت طَّائِفَةٌ مّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ءامِنُواْ ( ؟ انتهى .
وأما إعادة لفظ : وما أوتي ، فلأنه لما كان لفظ الخطاب عاماً ، ومن حكم خطاب العام البسط دون الإيجاز ، ولما كان الخطاب هنا خاصاً اكتفى فيه بالإيجاز .
آل عمران : ( 85 ) ومن يبتغ غير . . . . .
( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ ( الإسلام هنا قيل هو الاستسلام إلى الله والتفويض إليه ، وهو

الصفحة 539