" صفحة رقم 69 "
إساءته ، وهو مشتق من العاقبة ، كأنه يراد عاقبة فعله المسيء .
( يَسْئَلُونَكَ عَنِ الاهِلَّةِ قُلْ هِىَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجّ ( نزلت على سؤال قوم من المسلمين النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) عن الهلال ، وما فائدة محاقه وكماله ومخالفته لحال الشمس ، قاله ابن عباس ، وقتادة ، والربيع ، وغيرهم . وروي أن من سأل هو معاذ بن جبل ، وثعلبة بن غنم الأنصاري ، قالا : يا رسول الله . ما بال الهلال يبدو دقيقاً مثل الخيط ثم يزيد حتى يمتلىء ، ثم لا يزال ينقص حتى يعود كما بدأ لا يكون على حالة واحدة ؟ فنزلت .
ومناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة ، وهو أن ما قبلها من الآيات نزلت في الصيام ، وأن صيام رمضان مقرون برؤية الهلال ، وكذلك الإفطار في شهر شوال ، ولذلك قال ( صلى الله عليه وسلم ) ) : ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ) .
أيضاً قد تقدّم كلام في شيء من أعمال الحج ، وهو : الطواف ، والحج أحد الأركان التي بني الإسلام عليها .
وكان قد مضى الكلام في توحيد الله تعالى ، وفي الصلاة ، والزكاة ، والصيام ، فأتى بالكلام على الركن الخامس وهو : الحج ، ليكون قد كملت الأركان التي بني الإسلام عليها . وروي عن ابن عباس أنه قال : ما كان أمة أقل سؤالاً من أمة محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ) سألوا عن أربعة عشر حرفاً فأجيبوا منها في سورة البقرة أولها ) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ ( والثاني : هذا ، وستة بعدها ، وفي غيرها : ) يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ ( ) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الانفَالِ ( ) وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ( ) وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِى الْقَرْنَيْنِ ( ) وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ ( ) وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةَ ( قيل : اثنان من هذه الأسئلة في الأول في شرح المبدأ ، واثنان في الآخر في شرح المعاد ، ونظيره أنه افتتحت سورتان ب ) يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ ( الأولى وهي الرابعة من السور في النصف الأول ، تشتمل على شرح المبدأ ، والثانية وهي الرابعة أيضاً من السور في النصف الآخر تشتمل على شرح المعاد .
والضمير في يسألونك ضمير جمع على أن السائلين جماعة ، وإن كان من سأل اثنين ، كما روي ، فيحتمل أن يكون من نسبة الشيء إلى جمع وإن كان ما صدر إلاَّ من واحد منهم أو اثنين ، وهذا كثير في كلامهم ، قيل : أو لكون الإثنين جمعاً على سبيل الاتساع والمجاز .
والكاف : خطاب للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) ، و : يسألونك ، خبر ، فإن كانت الآية نزلت قبل السؤال كان ذلك من الاخبار بالمغيب : وإن كانت نزلت بعد السؤال ، وهو المنقول في أسباب النزول ، فيكون ذلك حكاية عن حال مضت .
و : عن ، متعلقة بقوله : يسألونك ، يقال : سأل به وعنه ، بمعنى واحد ، ولا يراد بذلك السؤال عن ذات الأهلة ، بل عن حكمة اختلاف أحوالها ، وفائدة ذلك ، ولذلك أجاب بقوله : ) قُلْ هِىَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ ( فلو كانت على حالة واحدة ما حصل التوقيت بها .
والهلال هو مفرد وجمع باختلاف أزمانه ، قالوا : من حيث كونه هلالاً في شهر ، غير كونه هلالاً في آخر .
وقرأ الجمهور : عن الأهلة ، بكسر النون وإسكان لام الأهلة بعدها همزة ، وورش على أصله من نقل حركة الهمزة وحذف الهمزة ، وقرأ شاذاً بادغام نون : عن في لام الأهلة بعد النقل والحذف .
( قُلْ هِى ( أي : الأهلة ) مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ ( هذه : الحكمة في زيادة القمر ونقصانه إذ هي كونها مواقيت في الآجال ، والمعاملات ، والإيمان ، والعدد ، والصوم ، والفطر ، ومدة الحمل والرضاع ، والنذور المعلقة بالأوقات ، وفضائل الصوم في الأيام التي لا تعرف إلاَّ بالأهلة . وقد ذكر تعالى هذا المعنى في قوله : ) وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السّنِينَ وَالْحِسَابَ ( وفي قوله : ) فَمَحَوْنَا ءايَةَ الَّيْلِ وَجَعَلْنَا ءايَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مّن رَّبّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ).
وقال الراغب : الوقت الزمان المفروض للعمل ، ومعنى : مواقيت للناس أي ما يتعلق بهم من أمور معاملاتهم ومصالحهم . انتهى .
وقال الرماني : الوقت مقدار من الزمان محدّد في ذاته ، والتوقيت تقدير حدّه ، وكلما قدّرت له غاية فهو موقت ، والميقات منتهى الوقت ، والآخرة منتهى الخلق ، والإهلال ميقات الشهر ، ومواضع