" صفحة رقم 77 "
فلا عدوان إلاَّ على من لم ينته ، وهو الظالم .
قال الزمخشري : فلا تعتدوا على المنتهين لأن مقاتلة المنتهين عدوان وظلم ، فوضع قوله : إلاَّ على الظالمين ، موضع : على المنتهين إنتهى كلامه . وهذا الذي قاله لا يصح إلاَّ على تفسير المعنى ، وأما على تفسير الإعراب فلا يصح ، لأن : على المنتهين ، ليس مرادفاً لقوله : إلاَّ على الظالمين ، لأن نفي العدوان عن المنتهين لا يدل على إثباته على الظالمين إلاَّ بالمفهوم مفهوم الصفة . وفي التركيب القرآني يدل على إثباته على الظالمين بالمنطوق المحصور بالنفي ، وإلاَّ وفرق بين الدلالتين ، ويظهر من كلامه أنه أراد تفسير الإعراب .
ألا ترى قوله : فوضع قوله : إلاَّ على الظالمين ، موضع : على المنتهين ؟ وهذا الوضع إنما يكون في تفسير الإعراب ، وليس كذلك لما بيناه من الفرق بين الدلالتين ، ألا ترى فرق ما بين قولك : ما أكرم الجاهل وما أكرم إلاَّ العالم ؟ وإلاَّ على الظالمين ، استثناء مفرغ من الأخبار على الظالمين في موضع رفع على أنه خبر لا على مذهب الأخفش ، أو على أنه خبر للمبتدأ الذي هو مجموع لا عدوان ، على مذهب سيبويه . وقد تقدّم التنبيه على ذلك ، وجاء : بعلى ، تنبيها على استيلاء الجزاء عليهم واستعلائه .
وقيل : معنى لا عدوان ، لا سبيل ، كقوله : ) أَيَّمَا الاْجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَىَّ ( أي لا سبيل عليّ ، وهو مجاز عن التسليط والتعرض ، وهو راجع لمعنى جزاء الظالم الذي شرحنا به العدوان .
ورابط الجزاء بالشرط إما بتقدير حذف أي : إلاَّ على الظالمين منهم ، أو بالاندراج في عموم الظالمين ، فكان الربط بالعموم .
البقرة : ( 194 ) الشهر الحرام بالشهر . . . . .
( الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحُرُمُ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ ( قال ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، ومقسم ، والسدي ، والربيع ، والضحاك ، وغيرهم : نزلت في عمرة القضاء عام الحديبية ، وكان المشركون قاتلوهم ذلك العام في الشهر الحرام ، وهو ذو القعدة ، فقيل لهم عند خروجهم لعمرة القضاء وكراهتهم القتال ، وذلك في ذي القعدة : ) الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ ( أي : هتكه بهتكه ، تهتكون حرمته عليهم كما هتكوا حرمته عليكم .
وقال الحسن : سأل الكفار رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ) : هل تقاتل في الشهر الحرام ؟ فأخبرهم أنه لا يقاتل فيه ، فهموا بالهجوم عليه وقتل من معه حين طمعوا أنه لا يقاتل ، فنزلت .
والشهرُ ، مبتدأ وخبره الجار والمجرور وبعده ، ولا يصح من حيث اللفظ أن يكون خبراً ، فلا بد من حذف التقدير : انتهاك حرمة الشهر الحرام ، كائن بانتهاك حرمة الشهر الحرام ؛ والألف واللام في الشهر ، في اللفظ هي للعهد ، فالشهر الأول هو ذو القعدة من سنة سبع في عمرة القضاء ، والشهر الثاني هو من سنة ست عام الحديبية ) وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ ( والالف واللام للعهد في الحرمات ، أي : حرمة الشهر وحرمة المحرمين حين صددتم بحرمة البلد ، والشهر ، والقطان ، حين دخلتم . وهذا التفسير على السبب المنقول عن ابن عباس ومن معه ، وأما على السبب المنقول عن الحسن فتكون الألف واللام للعموم في النفس والمال والعرض ، أي : وكل حرمة يجري فيها القصاص ، فيدخل في ذلك تلك الحرمات السابقة وغيرها ، وقيل : ) وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ ( جملة مقطوعة مما قبلها ليست في أمر الحج والعمرة ، بل هو ابتداء أمر كان في أول الإسلام ، أي : من انتهك حرمتك نلت منه مثل ما اعتدى عليك به ، ثم نسخ ذلك بالقتال .
وقالت طائفة : ما كان من تعدَ في مال أو جرح لم ينسخ ، وله أن يتعدى عليه من ذلك بمثل ما تعدى عليه ، ويخفى ذلك إذا أمكنه دون الحاكم ولا يأثم بذلك ، وبه قال الشافعي ، وهي رواية في مذهب مالك .
وقالت طائفة ، منهم مالك : القصاص وقف على الحكام فلا يستوفيه إلاَّهم .
وقرأ الحسن ) وَالْحُرُمَاتُ ( باسكان الراء على الأصل ، إذ هو جمع حرمة ، والضم في