كتاب تفسير البحر المحيط - العلمية (اسم الجزء: 2)

" صفحة رقم 96 "
دون شيء قاله ابن عباس ، وعطاء ، والحسن ، ومجاهد ، وطاووس . أو الذبح للأصنام ومنه : ) أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ( قاله ابن زيد ، ومالك ، أو التنابذ بالألقاب قال : ) بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ ( قاله الضحاك ، أو السباب منه : ( سباب المسلم فسوق ) . قاله ابن عمر أيضاً ، ومجاهد ، وعطاء ، وإبراهيم ، والسدي ، ورجح محمد بن جرير أنه ما نهي عنه الحاج في إحرامه لقوله : ) فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ ).
وقد علم أن جميع المعاصي محرم على كل أحد من محرم وغيره ، وكذلك التنابذ ، ورجح ابن عطية ، والقرطبي المفسر وغيرهما قول من قال : إنه جميع المعاصي لعمومه جميع الأقوال والأفعال ، ولأنه قول الأكثر من الصحابة والتابعين ، ولأنه روي : ( والذي نفسي بيده ، ما بين السماء والأرض عمل أفضل من الجهاد في سبيل الله ، أو حجة مبرورة لا رفث فيها ولا فسوق ولا جدال ) .
وقال العلماء : الحج المبرور هو الذي لم يعص الله في أثناء أدائه ؛ وقال الفراء : هو الذي لم يعص الله بعده .
والجدال : هنا مماراة المسلم حتى يغضب ، فأما في مذاكرة العلم فلا نهي عنها ، قاله ابن مسعود ، وابن عباس ، وعطاء ، ومجاهد . أو السباب ، قاله ابن عمر ، وقتادة . أو : الاختلاف : أيهم صادف موقف أبيهم ؟ وكانوا يفعلون ذلك في الجاهلية ، تقف قريش في غير موقف العرب ، ثم يتجادلون بعد ذلك ، قاله ابن زيد ، ومالك . أو يقول قوم : الحج اليوم ، وقوم الحج غداً ، قاله القاسم . أو المماراة في الشهور حسبما كانت العرب عليه من الذي كانوا ربما جعلوا الحج في غير ذي الحجة ، ويقف بعضهم بجمع ، وبعضهم بعرفة ، ويتمارون في الصواب من ذلك ، قاله مجاهد .
قال ابن عطية : وهذا أصح الأقوال ، وأظهرها قرر الشرع وقت الحج وإحرامه حتم لا جدال فيه .
أو قول طائفة : حجنا أبر من حجكم ، وتقول الأخرى مثل ذلك ، قاله محمد بن كعب القرطبي ، أو الفخر بالآباء ، قاله بعضهم ، أو قول الصحابة للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) إنا أهللنا بالحج ، حين قال في حجة الوداع : ( من لم يكن معه هدي فليحلل من إحرامه وليجعلها عمرة ) قاله مقاتل . أو المراء مع الرفقاء والخدام والمكارين ، قاله الزمخشري . أو كلَّ ما يسمى جدالاً لا للتغالب ، وحظ النفس ، فتدخل فيه الأقوال التسعة السابقة .
و : الفاء ، في : فلا رفث ، هي الداخلة في جواب الشرط ، إن قدر : من ، شرطاً ، وهو الأظهر ، أو في الخبر إن قدر : من ، موصولاً .
وقرأ ابن مسعود والأعمش : رفوث ، وقد تقدّم أن الرفث والرفوث مصدران . وقرأ أبو جعفر بالرفع والتنوين في الثلاثة ، ورويت عن عاصم في بعض الطرق ، وهو طريق المفضل عن عاصم ، وقرأ أبو رجاء العطاردي بالنصب والتنوين في الثلاثة . وقرأ الكوفيون ، ونافع بفتح الثلاثة من غير تنوين ؛ وقرأ ابن كثير ، وأبو عمر برفع : فلا رفث ولا فسوق ، والتنوين ، وفتح : ولا جدال ، من غير تنوين .
فأمّا من رفع الثلاثة فإنه جعل : لا ، غير عاملة ورفع ما بعدها بالابتداء ، والخبر عن الجميع هو قوله : في الحج ، ويجوز أن يكون خبراً عن المبتدأ الأول ، وحذف خبر الثاني . والثالث للدّلالة ، ويجوز أن يكون خبراً عن الثالث وحذف خبر الأول والثاني لدّلالة ، ولا يجوز أن يكون خبراً عن الثاني ويكون قد حذف خبر الأول والثالث لقبح هذا التركيب والفصل .
قيل : ويجوز أن تكون : لا ، عاملة عمل ليس فيكون : في الحج ، في موضع نصب ، وهذا الوجه جزم به ابن عطية ، فقال : و : لا ، في معنى ليس في قراءة الرفع ، وهذا الذي جوّزه وجزم به ابن عطية ضعيف ، لأن إعمال : لا ، إعمال : ليس ، قليل جداً ، لم يجىء منه في لسان العرب إلاَّ ما لا بال له ، والذي يحفظ من ذلك قوله : تعزّ فلا شيء على الأرض باقيا
ولا وزرٌ مما قضى الله واقياً
أنشده ابن مالك ، ولا أعرف هذا البيت إلاَّ من جهته ، وقال النابغة الجعدي :

الصفحة 96