كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن (اسم الجزء: 2)

قيل: هذا الوعيدُ باقٍ، ويكونُ طمسُ مسخٍ في اليهود قبلَ قيامِ الساعة، وقيلَ غيرُ ذلك.
{أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ} فنجعلَهم قردةً وخنازيرً، وتقدَّمَ خبرُ أصحاب السبت في سورة البقرة عندَ تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ} [الآية: 65].
{وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ} أي: قضاؤه.
{مَفْعُولًا} نافِذًا.
{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48)}.

[48] ولما أحبَّ وَحْشِيٌّ التوبةَ بعدَ قتله حمزة رضي الله عنه يومَ أحدُ، نزلَ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} مع التوبةِ، فبعثَ بها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إلى وحشيٍّ بمكَّةَ، فقالَ وحشيٌّ: لعلِّي مِمَّنْ لَمْ يَشَأِ اللهُ، فنزل: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ} [الزمر: 53]، فبعثَ بها إليه، فدخلَ في الإسلام، ورجعَ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقبلَ منه، ثم قال له: "أَخْبِرْنِي كَيْفَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ" فلما أخبره، قال: "وَيْحَكَ غَيِّبْ وَجْهَكَ عَنِّي" (¬1) فلحقَ بالشام، فكانَ بها إلى أن ماتَ.
¬__________
(¬1) رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (1800). وانظر: "الاستيعاب" لابن عبد البر (4/ 1564 - 1565)، و"تفسير البغوي" (1/ 544).

الصفحة 138