كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن (اسم الجزء: 2)

الجهادِ والحثِّ عليه، فلما سمعَ ابنُ أمِّ مكتومٍ -وكانَ أَعمى- النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يُمليها على زيدِ بنِ ثابتٍ قال: "يا رسولَ اللهِ! لو استطعتُ الجهادَ لجاهدْتُ" فنزل:
{غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} (¬1) أي: المرض؛ من عمًى وغيرِه. قرأ نافعٌ وأبو جعفرٍ، وابنُ عامرٍ، والكسائيُّ، وخلفٌ (غَيْرَ) بنصبِ الراء؛ أي: إلا أولي الضرر، وقرأ الباقون: برفع الراء على نعتِ (القاعِدون) (¬2)، يريدُ: لا يستوي القاعدونَ الذين هم غيرُ أولي الضرر.
{وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} أي: لا مساواةَ بينهم وبينَ من قعدَ عن الجهاد من غيرِ عذرٍ.
{فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ} للعذرِ.
{دَرَجَةً} فضيلةً؛ لأن المجاهدَ مباشِرٌ مع النية، والقاعدَ له نيةٌ، ولكن لم يباشرْ، فنزلوا عنهم بدرجةٍ.
{وَكُلًّا} من الفريقين.
{وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} وهي الجنةُ.
{وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ} مطلقًا.
¬__________
(¬1) رواه البخاري (2677)، كتاب: الجهاد والسير، باب: قول الله تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ..} عن سهل بن سعد، ومسلم (1898)، كتاب: الإمارة، باب: سقوط فرض الجهاد عن المعذورين، عن البراء.
(¬2) انظر: "التيسير" للداني (ص: 97)، و"تفسير البغوي" (1/ 582)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (2/ 251)، و"إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: 193)، و"معجم القراءات القرآنية" (2/ 155).

الصفحة 179