كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن (اسم الجزء: 2)

{قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} أهلَكوها.
{وَضَلَّ} بطلَ.
{عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} فلمْ ينفعْهم.
...
{إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)}.

[54] {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} أي: في مقدارها؛ لأن اليومَ من لَدُنْ طلوعِ الشمسِ إلى غروبها, ولم يكنْ يومئذٍ يومٌ ولا شمسٌ، وخلقَهُنَّ فيهنَّ تعليمًا لخلقه التثبُّتَ والتأنِّي؛ لأنه سبحانه كان قادرًا على خلقهنَّ في لمحةٍ (¬1)، وقد جاءَ في الحديث: "التَّأنِّي مِنَ اللهِ، وَالْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ" (¬2).
{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} استواءً يليقُ بعظمتِه بِلا كيفٍ، وهذا من المشكِلِ الذي يجبُ عندَ أهل السُّنَّةِ على الإنسانِ الإيمانُ به، ويَكِلُ العلمَ فيه إلى الله عَزَّ وَجَلَّ، وسُئِلَ الإمامُ مالكٌ رضي الله عنه عن الاستواءِ فقالَ: "الاستواءُ معلومٌ؛ يعني: في اللغة، والكيفُ مجهولٌ، والإيمانُ بهِ واجبٌ، والسؤالُ
¬__________
(¬1) في "ن": "كلمحة".
(¬2) رواه يعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ" (3/ 389)، وأبو يعلى في "مسنده" (4256)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (10/ 104)، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-.

الصفحة 529