كتاب النكت على صحيح البخاري (اسم الجزء: 2)

قُلْت: ويجمع بين الروايتين بأنه بدأ أولًا بندائه باسمه لهذا المعنى، ثم خاطبه بقوله: يا رسول الله. ووقع عند القرطبي أنه قَالَ: "السلام عليكم يا مُحَمَّد"، فاستنبط منه أنه يستحب للداخل أن يعمم بالسلام ثم يخصص من يريد تخصيصه. انتهى
والذي وقفت عليه من الروايات إنما فيه الإفراد، وهو قوله: "السلام عليك يا مُحَمَّد".
قوله: (ما الإيْمان) قيل: قدم السؤال عَلى الإيمان؛ لأنه الأصل، وثنَّى بالإسلام؛ لأنه يظهر مصداق الدعوى، وثلَّث بالإحسان؛ لأنه متعلق بهما، وفي رواية عُمَارة بن القعقاع بدأ بالإسلام، لأنه بالأمر الظاهر، وثنَّى بالإيمان؛ لأنه بالأمر الباطن. ورجح هذا الطيبي لما فيه من الترقي.
ولا شك أن القصة واحدة، اختلف الرواة في تأديتها، وليس في السياق ترتيب، ويدل عليه رواية مطر الوراق فإنه بدأ بالإسلام، وثنَّى بالإحسان، وثلَّث بالإيمان، فالحق أن الواقع أمرٌ واحد، والتقديم والتأخير وقع من الرواة، والله أعلم.
قوله: (قَالَ: الإيمان، أن تؤمن [96 / أ] بالله) إلى آخره. دل الجواب عَلى أنه علم أنه سأله عن متعلقاته لا عن معنى لفظه، وإلا لكان الجواب: "الإيمان: التصديق"، وَقَالَ الطيبي: هذا يوهم التكرار وليس كذلك، فإن قوله: "أن تؤمن بالله" مضمن معنى: أن تعترف به، ولهذا عَدَّاه بالباء؛ أي أن تصدَّق معترفًا بكذا.
قُلْت: والتصديق أيضًا يُعدَّى بالباء، فلا يحتاج إلَى دعوى التضمين.
وَقَالَ الكرماني: ليس هو تعريفًا للشيء بنفسه، بل المراد من المحدود: الإيمان الشرعي، ومن الحد: الإيمان اللغوي.
قُلْت: والَّذِي يظهر أنه إنما أعاد لفظ الإيمان للاعتناء بشأنه تفخيمًا لأمره، ومنه قوله تعالَى: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس: 79] في جواب: {مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78)} [يس: 78].

الصفحة 10