كتاب النكت على صحيح البخاري (اسم الجزء: 2)

وروى البزار نَحوه من حديث ابن مسعود موقوفًا (¬1)، وَرَوَاهُ أبو نُعيم الأصبهاني مرفوعًا (¬2)، وفي الباب عن أبي الدرداء وغيره (¬3)، فلا يغتر بقول من جعله من كلام البُخَاريّ.
والمعنى ليس العلم المعتبر إلا المأخوذ من الأنبياء وورثتهم عَلى سبيل التعلم.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ أبو ذر إلَى آخره) هذا التعليق رويناه موصولًا في مسند الدارمي وغيره من طريق الأوزاعي: حَدَّثنِي أبو كثير -يعنِي: مالك بن مرثد-، عن أبيه قَالَ: "أتيت أبا ذر وهو جالس عند الجمرة الوسطى وقد اجتمع عليه الناس يستفتونه، فأتاه رجل فوقف عليه ثُمَّ قالَ: ألم تُنْه عن الفتيا؟ ! فرفع رأسه إليه فَقَالَ: أرقيب أنت علي؟ ! لو وضعتم" (¬4)، فذكر مثله، ورويناه في الحلية (¬5) من هذا الوجه، وبين أن الَّذِي خاطبه رجل من قريش، وأن الذي نَهاه عن الفتيا عُثْمَان - رضي الله عنه -.
وَكَانَ سبب ذلكَ: أنه كَانَ بالشام فاختلف مع معاوية في تأويل قَوْله تعالَى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [التوبة: 34]. قَالَ معاوية: "نزلت في أهل الكتاب خاصة"، فَقَالَ أبو ذر: "نزلت فيهم وفينا"، فكتب معاوية إلَى عُثْمَان، فأرسل إلَى أبي ذر، فحصلت منازعة أدت إلَى انتقال أبي ذر عن المدينة فسكن الرَّبذة -بفتح الراء والموحدة والذال المعجمة- إلَى أن مات، رَوَاهُ النّسَائي (¬6).
¬__________
(¬1) "مسند البزار" (5/ 423)، وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (كتاب الأدب، باب: ما جاء في طلب العلم وتعليمه) (5/ 284).
(¬2) رَوَاهُ أبو نعيم في "حلية الأولياء" (5/ 174) مرفوعا من حديث أبي الدرداء.
(¬3) أخرجه من حديث أبي الدرداء: الطبراني في "المعجم الأوسط" (2663)، وفِي "مسند الشاميين" (3/ 209)، وأبو نُعيم في "حلية الأولياء" (5/ 174).
وورد من حديث أبي هُرَيْرَةَ أخرجه ابن أبي الدنيا في "الحلم" (ص 17)، والخطيب في "تاريخ بغداد" (9/ 127)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (18/ 99).
(¬4) أخرجه: الدارمي في "سننه" باب: البلاغ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتعليم السنن) برقم (545).
(¬5) أخرجه: أبو نعيم في "حلية الأولياء" (1/ 160).
(¬6) "السنن الكبرى" (كتاب التفسير، سورة التوبة) (6/ 354).

الصفحة 109