كتاب النكت على صحيح البخاري (اسم الجزء: 2)

وَإِذَا تحرر هذا فقد اعترض المهلب عَلى البُخَاريّ لكونه لَم يذكر هنا حديث ابن الزبير في رؤيته والده يوم بني قُريظة (¬1) ومراجعته له في ذَلِكَ، ففيه السماع منه وَكَانَ سنه إذ ذاك ثلاث سنين أو أربعٍ، فهو أصغر من محمود، وليس في قصة محمود ضبطه لسماع شيء، فكان ذكر حديث ابن الزبير أولى لهذين المعنيين.
وأجاب ابن المنير: بأن البُخَاري إنّما أراد نقل السنن النبوية لا الأحوال الوجودية، ومحمود نقل سُنة مقصودة كون النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - مَجَّ مَجَّة في وجهه، بل في مجرد رؤيته إياه فائدة شرعية يثبت بِها كونه صحابيًّا، وأما قصة ابن الزبير فليس فيها نقل سُنة من السنن النبوية حَتَّى تدخل في هذا الباب، ثُمَّ أنشد:
* وَصَاحِبُ الْبَيْتِ أَدْرَى بالَّذِي هو فِيْهِ *
. . . انتهى.
وهو جواب مسدد، وتكملته ما قدمناه قبل: أن المقصود بلفظ السماع في الترجمة هو أو ما يتنزل منزلته [136 / ب] من نقل الفعل أو التقدير.
وغفل البدر الزركشي فَقَالَ: يحتاج المُهَلب إلَى ثبوت أن قصة ابن الزبير صحيحة عَلى شرط البُخَاريّ، انتهى (¬2).
وَالبُخَاريَّ قد أخرج قصة ابن الزبير المذكورة في مناقب الزبير في الصحيح، فالإيراد مُوَجَّه، وقد حصل جوابه.
قَوْلُهُ: (من دلو) زاد النَّسَائي: "معلق" (¬3)، ولابن حبان: "معلقة" (¬4)، والدلو يذكر
¬__________
(¬1) أخرجه البُخَاريّ في "صحيحه" (كتاب فضائل الصحابة، باب: مناقب الزبير بن العوام) برقم (3720) وكذا في (3973، 3975)، وَمُسْلِم في "صحيحه" (كتاب فضائل الصحابة، باب: من فضائل طلحة والزبير) برقم (2416).
(¬2) راجع: "تجريد تعليقات ابن حجر عَلى التنقيح للزركشي" (155/ ب: 156/ أ)، ورد ابن حجر عليه هناك.
(¬3) "السنن الكبرى" (كتاب العلم، باب: متى يصح سماع الصغير) (3/ 438).
(¬4) "صحيح ابن حبان" (كتاب السير، باب: في الخلافة والإمارة) برقم (4517).

الصفحة 136