كتاب النكت على صحيح البخاري (اسم الجزء: 2)

فإن قيل: لِمَ لَم يذكر الحج؟
أجابَ بعضهم: باحتمال أنه لَم يكن فُرِضَ، وهو مردود بما رَوَاهُ ابن مَنْدَه في "كتاب الإيمان" بإسناده الَّذِي عَلى شرط مُسْلِم من طريق سليمان التيمي في حديث عمر أوله: "أن رجلًا في آخر عُمُر النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء إلَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. . . . ." فذكر الحديث بطوله (¬1)، فكأنه إنما جاء بعد إنجاز (¬2) جَميع الأحكام، لتقرير أمور الدين الَّتِي بَلَّغها متفرقة في مجلس واحد لتضبط.
ويستنبط منه جواز سؤال العالم ما لا يجهله السائل ليعلمه السامع.
وأمَّا الحج فقد ذكر، لكن بعض الرواة إما ذهل عنه وإما نسيه، والدليل عَلى ذَلِكَ [98 / أ] اختلافهم في ذكر بعض الأعمال دون بعض، ففي رواية كَهْمَس: "وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلًا"، وكذا في حديث أنس.
وفي رواية عطاء الخراساني لَم يذكر الصوم، وفي حديث أبي عامر ذكر الصلاة والزكاة حسب، ولَم يذكر في حديث ابن عباس مزيدًا عَلى الشهادتين، وذكر سليمان التيمي في روايته الجميع وزاد بعد قوله: "وتحج وتعتمر وتغتسل من الجنابة وتتمم الوضوء"، وَقَالَ مطر الوراق في روايته: "وتُقيم الصلاة وتؤتي الزكاة قَالَ: فذكر عُرى الإسلام"، فتبين ما قلناه أن بعض الرواة ضبط ما لَم يضبطه غيره.
قوله: (وتقيم الصلاة) زاد مُسْلِم "المكتوبة" أي: المفروضة، وإنما عبر بالمكتوبة للتفنن في العبارة، فإنه عبر في الزكاة بالمفروضة، ولاتباع قوله: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا (103)} [النساء: 103].
قوله: (وتصوم رمضان) استدل به عَلى قول رمضان من غير إضافة شهر إليه، وستأتي المسألة في كتاب الصيام إن شاء الله تعالَى.
¬__________
(¬1) "الإيمان" لابن منده (1/ 143، 144).
(¬2) في "الفتح": "إنزال".

الصفحة 15