كتاب النكت على صحيح البخاري (اسم الجزء: 2)

قوله: (الإحسان) هو مصدر، تقول: أَحْسَنَ إحسانًا، ويتعدى بنفسه وبغيره، تقول: أحسنتُ كذا: إذا أتقنته، وأحسنتُ إلَى فلان: إذا أوصلت إليه النفع، والأول هو المراد، لأن المقصود إتقان العبادة، وقد يُلحظ الثاني بأن المخلص مثلًا يحسن لإخلاصه إلَى نفسه، وإحسان العبادة: الإخلاص فيها، والخشوع، وفراغ البال حال التلبس بها، ومراقبة المعبود، وأشار في الجواب إلَى حالتين:
أرفعهما: أن يغلب عليه مشاهدة الحق بقلبه حَتى كأنه يراها بعينه وهو قوله: (كأنك تراه) أي: وهو يراك.
والثانية: أن يستحضر أن الحق مطلع عليه، يرى كل ما يعمل وهو قوله: (فإنه يراك).
وهاتان الحالتان تثمرهما معرفة الله وخشيته، وقد عبر في رواية عُمَارة بن القعقاع بقوله: "أن تخشى الله كأنك تراه".
قالَ النووي: معناه أنك إنما تراعي الآداب المذكورة إذا كنت تراه ويراك، لكونه يراك لا لكونه تراه، فهو دائمًا يراك، فأحسن عبادته وإن لَم تره، فتقدير الحديث: فإن لَم [تكن] (¬1) تراه فاستمر عَلى إحسان العبادة فإنه يراك.
* تنبيه:
دل سياق الحديث عَلى أن رؤية الله في [98 / ب] الدُّنْيَا بالأبصار غير واقعة، وأما النبي - صلى الله عليه وسلم - فذاك لدليل آخر، وقد صرح مُسْلِم في روايته من حديث أبي أمامة بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "واعلموا أنكم لن تروا ربكم حَتَّى تَموتوا" (¬2).
¬__________
(¬1) زيادة من "الفتح".
(¬2) هذا اللفظ من حديث أبي أمامة ليس في "صحيح مُسْلِم"، وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (كتاب الفتن والملاحم، باب: إن الله تعالَى لَم يبعث نبيًّا إلا حذر أمته الدجال) (4/ 536، 537)، ولفظه: "وإنكم لن تروا ربكم حتَّى تموتوا"، وَقَالَ: هذا حديثٌ صحيحٌ عَلى شرط مُسْلِم، ولَم يخرجاه بهذه السياقة.
أما الحديث الَّذِي أخرجه مُسْلِم في "صحيحه" (كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب: ذكر ابن صياد) برقم (2931)، فهو من حديث عبد الله بن عمر، ولفظه: "لن يرى أحد منكم ربه -عَزَّ وَجَلَّ- حَتَّى يموت".

الصفحة 16