كتاب النكت على صحيح البخاري (اسم الجزء: 2)

وقد اختلف العلماء في معنى ذَلِكَ، قَالَ ابن التين: اخْتُلف فيه عَلى سبعة أوجه، فذكرها لكنها متداخلة، وقد لخصتها بلا تداخل، فإذا هِيَ أربعة:
الأول: قَالَ الخطابي: معناه اتساع الإسلام واستيلاء أهله عَلى بلاد الشرك وسبي ذراريهم، فإذا ملك الرجل الجارية واستولدها كَانَ الولد منها بمنزلة ربها؛ لأنه ولدُ سيدها. قَالَ النووي وغيره: إنه قول الأكثرين.
قُلْت: لكن في كونه المراد نظر، وسبي [100 / أ] ذراريهم واتخاذهم سراري كانَ الكثرة في صدر الإسلام، وسياق الكلام يقتضي الإشارة إلى وقوع ما لَم يقع قرب قيام الساعة.
وقد فسره وكيع في رواية ابن ماجه (¬1) بأحصر (¬2) من الأول: أن تلد العجم العرب.
ووجهه بعضهم: بأن الإماء يلدن الملوك فتصير الأم من جهة الرعية والملك سيد رعيته وهذا لإبراهيم الحربي، وقربه بأن الرؤساء في الصدر الأول كانوا يستنكفون غالبا عن وطء الإماء، ويتنافسون في الحرائر، ثم انعكس الأمر، ولاسيما في أثناء دولة بني العباس، ولكن رواية "ربتها" بتاء التأنيث قد لا تساعد عَلى ذَلِكَ.
ووجهه بعضهم: بأن إطلاق ربتها عَلى ولدها مَجاز؛ لأنه لما كَانَ سببًا في عتقها بموت أبيه أطلق عليه ذَلِكَ، وخصه بعضهم بأن السبي إذا كثر فقد يُسبى الولد أولًا وهو صغير، ثم يعتق ويكبر ويصير رئيسًا بل ملكًا، ثم تسبى أمه فيما بعد فيشتريها عارفًا بِها، أو وهُوَ لا يشعر أنها أمه، فيستخدمها أو يتخذها موطوءة، أو يعتقها ويتزوجها، وقد جاء في بعض الروايات: "أن تلد الأمة بَعْلها"، فحمل عَلى هذه الصورة، وقيل: المراد بالبعل: المالك، وهو أولى لتتفق الروايات.
الثاني: أن تبيع السادة أمهات أولادهم ويكثر ذَلِكَ، فيتداول الملاك المستولدة حَتى يشتريها ولدها، وَعَلى هذا فالذي يكون من الأشراط غلبة الجهل بتحريم بيع أمهات الأولاد والاستهانة بالأحكام الشرعية.
¬__________
(¬1) أخرجه ابن ماجه في "سننه" في المقدمة (باب: في الإيمان) (1/ 24).
(¬2) في "الفتح": (بأخص).

الصفحة 20