كتاب النكت على صحيح البخاري (اسم الجزء: 2)

قوله: (رءوس الناس) أي: ملوك الأرض، وصرح به الإسماعيلي، وفِي رواية [أبي] (¬1) فروة مثله، والمراد بهم: أهل البادية، كما صرح به في رواية سليمان التيمي وغيره، وَقَالَ: ما الحفاة العُرَاة؟ قَالَ: "العُرَيْب" -وهو بالعين المهملة عَلى التصغير.
قَالَ القرطبي: المقصود الإخبار عن تبدل الحال بأن يستولي أهل البادية عَلى الأمر، يتملكوا البلاد بالقهر فتكثر أموالهم وينصرف همهم إلَى تشييد البنيان والتفاخر وبه، وقد شاهدنا ذَلِكَ في هذه الأزمان ومنه [الحديث الآخر: "لا تقوم الساعة حَتَّى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع ابن لكع" (¬2)، ومنه: "إذا وُسِّد الأمرُ" أي: أسند] (¬3) إلَى غير أهله، فانتظروا الساعة" (¬4)، وكلاهما في الصحيح.
قوله: (في خَمس) أي: علم وقت الساعة داخل في جملة خمس، وحَذْف متعلق الجار سائغ، كما في قوله تعالَى: {فِي تِسْعِ آيَاتٍ} [النمل: 12]، أي: اذهب إلَى فرعون بهذه الآية في جملة تسع آيات، وفِي رواية عطاء الخراساني قَالَ: "فمتى الساعة؟ قَالَ: هِيَ في خمس من الغيب لا يعلمها إلا الله".
قَالَ القرطبي: لا مطمع لأحد في علم شيء من هذه الأمور الخمس لهذا الحديث، وقد فسر النبي - صلى الله عليه وسلم - قول الله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام: 59]، بهذه الخمس، وهو في الصحيح.
قالَ: فمن ادعى علم شيء منها غير مسندة إلَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ كاذبًا في دعواه.
قَالَ: وأما ظن الغيب فقد يجوز من المُنَجم وغيره إذا كَانَ عن أمر عادي، وليس ذلك بعلم، وقد نقل ابن عبد البر الإجماع عَلى تَحريم أخذ الأجرة والجُعْل وإعطائها في ذَلِكَ.
¬__________
(¬1) زيادة من "الفتح".
(¬2) أخرجه الترمذي في "جامعه" (كتاب الفتن، باب: ما جاء في أشراط الساعة) برقم (2209)، والإمام أَحْمَد في "المسند" (5/ 389).
(¬3) زيادة من "الفتح".
(¬4) أخرجه البخاري في "صحيحه" (كتاب العلم، باب: من سئل علمًا وهو مشتغل في حديثه. . .) برقم (59) وفيه: "فانتظر".

الصفحة 23