كتاب النكت على صحيح البخاري (اسم الجزء: 2)

وهذا يقتضي تخصيص عدم النسيان بتلك المقالة فقط، لكن سياق الكلام يقتضي ترجيح رواية يونس ومن وافقه؛ لأن أبا هريرة استدل بذلك على كثرة محفوظه من الحديث، فلا يصح حمله على تلك المقالة وحدها، [162/ أ] ويحتمل أن تكون وقعت له قضيتان، فالقضية التي رواها الزُّهري مختصة بتلك المقالة، والقضية التي رواها سعيد المَقْبَري عامة.
* فائدة:
المقالة المشار إليها في حديث الزُّهري أُبْهِمت في جَميع طرقه، وقد وجدتها مصرحًا بها في "الحلية" لأبي نُعيم من طريق أُخرى عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من رجل يسمع كلمة أو كلمتين مما فرض الله فيتعلَّمهن ويعلِّمهن إلا دخل الجنة" (¬1). فذكر الحديث.
وفي هذين الحديثين فضيلة ظاهرة لأبي هريرة، ومعجزة واضحة من علامات النبوة؛ لأن النسيان من لوازم الإنسان، وقد اعترف أبو هريرة بأنه كان يكثر منه، ثم تخلف عنه ببركة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وفي المستدرك من حديث زيد بن ثابت قال: كنتُ أنا وأبو هريرة وآخر عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ادع"، فدعوت أنا وصاحبي وأمَّن النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، ثم دعا أبو هريرة وقال: اللهم إني أسالكَ مثل ما سألك صاحبي، وأسألك علمًا لا يُنْسَى، فأمَّن النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فقلنا: ونحنُ كذلك يا رسول الله فقال: "سبقكما الغلام الدَّوْسِي" (¬2).
وفيه الحث على حفظ العلم، وفيه أن التقلل من الدنيا أمكن لحفظه، وفيه فضل التكسب لمن له عيال، وفيه جواز إخبار المرء بما فيه من فضيلة إذا اضطر لذلك وأمن الإعجاب.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا ابن أبي فُدَيْك بهذا) أشكل قوله: "بهذا" على بعض الشارحين؛ لأن
¬__________
(¬1) "حلية الأولياء" (2/ 159) في ترجمة الحسن البصري.
(¬2) "المستدرك" (كتاب معرفة الصحابة، باب: ذكر أبي هريرة الدوسي - رضي الله عنه -) (3/ 508).

الصفحة 243