كتاب النكت على صحيح البخاري (اسم الجزء: 2)

وفِي رواية سليمان التيمي: "ثم نهض فولى، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: عليَّ بالرجل، فطلبناه كل مطلب فلم نقدر عليه، فقال: هل تدرون من هذا؟ هذا جبريل أتاكم ليعلمكم دينكم، خذوا عنه، فوالذي نفسي بيده ما شُبِّه علي منذ أتاني قبل مرَّتِي هذه، وما عرفته حَتَّى ولى".
قَالَ ابن حبان: تفرد سليمان التيمي بقوله: "خذوا عنه".
قُلْت: وهو من الثقات الأثبات، وفِي قوله: "جاء ليعلم الناس" الإشارة إلَى هذه الزيادة، فما تفرد إلا بالتصريح، وإسناد التعليم إلَى جبريل مجازي؛ لأنه كَانَ السبب [102/ أ] في الجواب، فكذلك الأمر بالأخذ عنه (¬1).
واتفقت هذه الروايات عَلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر الصحابة بشأنه بعد أن التمسوه فلم يَجدوه، وأما ما وقع عند مُسْلِم وغيره من حديث عُمر في رواية كَهْمَس: "ثم انطلق، قَالَ عمر: فلبثت مَلِيًّا، ثم قَالَ: يا عمر، أتدري من السائل؟ قُلْتُ: الله ورسوله أعلم، قَالَ: فإنه جبريل".
وقد جمع بين الروايتين بعض الشراح بأن قوله: "فلبثت مليًّا"، أي: زمانًا بعد انصرافه. فكأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعلمهم بدلك بعد مُضي وقت لكنه في ذَلِكَ المجلس.
لكن يعكر عَلى هذا الجمع قوله في رواية النّسَائي والترمذي: "فلبثت ثلاثًا" (¬2)، لكن ادعى بعضهم فيها التصحيف، وأن مليًّا صَغُرَت ميمها فأشبهت ثلاثًا؛ لأن ثلاثًا تُكْتَب بلا ألف، وهذه الدعوى مردودة، فإن في رواية أبي عوانة: "فلبثنا لياليَ، فلقيني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ثلاث"، ولابن حبان: "بعد ثالثة"، ولابن منده: "بعد ثلاثة أيام".
¬__________
(¬1) كذا في الأصل، وَفِي "الفتح": (فلذلك أمر بالأخذ عنه).
(¬2) أخرجه النسائي في "الكبرى" (كتاب الإيمان وشرائعه، باب: نعت الإسلام) (6/ 528)، وفي "المجتبى" في نفس الكتاب والباب (8/ 97 - 101).
وأخرجه الترمذي في جامعه (كتاب الإيمان، باب: ما جاء في وصف جبريل للنبي - صلى الله عليه وسلم - والإيمان والإسلام) برقم (2610)، ولكن وقع عنده: "فلقيني النبي "بعد ذلك بثلاث".

الصفحة 25