كتاب النكت على صحيح البخاري (اسم الجزء: 2)

ماجه (¬1)، وهو لفظ ابن عون (¬2)، والمعنى: أنها اكتسبت الشبه من وجهين متعارضين، وَرَوَاهُ الدارمي عن أبي نُعيم شيخ البُخَاريّ فيه بلفظ: "وبينهما متشابهات" (¬3).
قوله: (لا يعلمها كثير من الناس) أي: لا يعلم حكمها، وجاء واضحًا في رواية التّرمِذيّ فلفظه: "لا يدري كثير من الناس أمن الحلال هِيَ أم من الحرام" (¬4).
ومفهوم قوله: (كثير) أنَّ معرفة حكمها ممكن، لكن لقليل من الناس، وهم المجتهدون، فالشبهات عَلى هذا في حق غيرهم، وقد يقع لهم حيث لا يظهر لهم ترجيح لأحد الدليلين.
قوله: (فمن اتقى المشبهات) أي: حذر منها، والاختلاف في لفظها بين الرواة نظير الَّذِي قبلها، لكن عند مُسْلِم والإسماعيلي: "الشُّبُهَات" بالضم: جَمع شُبْهَة.
قوله: (استبرأ) بالهمز بوزن استفعل من البراءة، أي: برأ دينه من النقص، وعِرْضه من الطعن؛ لأن من لَم يعرف باجتناب الشبهات لَم يَسْلَم لقول من يطعن فيه.
وفيه دليل عَلى أن من لَم يَتَوق الشبهة في كسبه ومعاشه فقد عَرَّض نفسه للطعن فيه، وفِي هذا إشارة إلَى المحافظة عَلى أمور الدين والمروءة.
قوله: (ومن وقع في الشبهات) فيها أيضا ما تقدم من اختلاف الرواة، وحاصل ما فسر به العلماء الشبهات أربعة أشياء:
أحدها: تعارض الأدلة كما تقدم.
ثانيها: اختلاف العلماء، وهي [104/ أ] منتزعة من الأولى.
ثالثها: أن المراد بِها قسم المكروه؛ لأنه يجتذبه جانبا الفعل والترك.
رابعها: أن المراد بِها المباح، ولا يُمكن قائل هذا أن يحمله عَلى متساوي
¬__________
(¬1) "سنن ابن ماجه" (كتاب الفتن، باب: الوقوف عند الشبهات) (3984) من رواية زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي.
(¬2) "سنن أبي داود" (كتاب البيوع، باب: في اجتناب الشبهات) برقم (3329).
(¬3) "سنن الدارمي" (كتاب البيوع، باب: في الحلال بين والحرام بَيِّن) برقم (2531).
(¬4) "جامع الترمِذيّ" (كتاب البيوع، باب: ما جاء في ترك الشبهات) برقم (1205).

الصفحة 31