كتاب النكت على صحيح البخاري (اسم الجزء: 2)

* تنبيه:
استدل به ابن المنير عَلى جواز بقاء المجمل بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفِي الاستدلال بذلك نظر؛ إلا إن أراد أنه مجمل في حق بعض دون بعض، وأراد الرد عَلى منكر القياس، فيحتمل ما قَالَ، والله أعلم.
قوله: (كراعٍ يرعى) هكذا في جَميع نسخ البُخَاريّ بحذف جواب الشرط، إن أعربت "من" شرطية، وقد ثبت المحذوف في رواية الدَّارمي عن أبي نُعيم شيخ البُخَاريّ فيه فقال: "ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كراعٍ يرعى" (¬1).
ويُمكن إعراب: "من" في سياق البُخَاريّ موصولة، فلا يكون فيه حذف، إذ التقدير: والَّذِي وقع في الشبهات مثل راعٍ يرعى، والأول أولى لثبوت المحذوف في صحيح مُسْلِم وغيره من طريق زكرياء الَّتِي أخرجه منها المؤلف، وَعَلى هذا فقول: "كراعٍ يرعى" جملة مستأنفة وردتْ عَلى سبيل التمثيل، للتنبيه بالشاهد عَلى الغائب.
"والْحِمى": المحمي، أطلق المصدر عَلى اسم المفعول، وفِي اختصاص التمثيل بذلك نكتة، وهي: أن ملوك العرب كانوا يحمون لمراعي مواشيهم أماكن مختصة، يتوعدون من رعى فيها بغير إذنهم بالعقوبة الشديدة، فمثل لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بما هو مشهور عندهم، فالخائف من العقوبة، المراقب لرضا الملك، يبعد عن ذَلِكَ الحمى خشية أن تقع مواشيه في شيء منه، فبُعده أَسْلم له ولو اشتد حذره.
وغير الخائف المراقب يقرب منه ويرعى من جوانبه، فلا يأمن أن تنفرد الفاذَّة فتقع فيه بغير اختياره، أو يَمْحل المكان الَّذِي هو فيه ويقع الخِصْب في الحِمَى، فلا يَملك نفسه أن يقع فيه، فالله -سبحانه وتعالى- هو الملك حقًّا، وحماه محارمه.
* تنبيه:
ادعى بعضهم أن التمثيل من كلام الشَّعبي، وأنه مدرج في الحديث، حكى ذَلِكَ أبو عمرو الدَّاني، ولَم أقف عَلى دليله، إلا ما وقع عند ابن الجارود والإسماعيلي من
¬__________
(¬1) "سنن الدارمي" (كتاب البيوع، باب: في الحلال بيِّن والحرام بيِّن) برقم (2531).

الصفحة 33