كتاب النكت على صحيح البخاري (اسم الجزء: 2)

رواية ابن عون، عن الشعبي [105/أ] قَالَ ابن عون في آخر الحديث: "لا أدري المثل من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - أو من قول الشعبي" (¬1).
قُلْت: وتردُّد ابن عون في رفعه لا يستلزم كونه مُدرجًا؛ لأن الأَثْبات قد جزموا باتصاله ورفعه، فلا يقدح شك بعضهم فيه، وكذلك سقوط المثل من رواية بعض الرواة كأبي فروة عن الشعبي لا يقدح فيمن أثبته؛ لأنهم حفاظ.
ولعل هذا هو السر في حذف البُخَاريّ قوله: "وقع في الحرام" ليصير ما قبل المثل مرتبطًا به، فيسلم من دعوى الإدراج، ومما يقوي عدم الإدراج رواية ابن حِبان الماضية، وكذا ثبوت المثل مرفوعًا في رواية ابن عباس وعمار بن ياسر أيضًا.
قوله: (ألا وإن حِمى الله تعالى في أرضه مَحارمه) سقط "في أرضه" من رواية المُسْتَمْلي، وثبتت الواو في قوله: "ألا وإن حِمَى الله" في رواية غير أبي ذر، والمراد بالحرام: فعل المنهي المحرم، أو ترك المأمور الواجب، ولهذا وقع في رواية أبي فروة التعبير بـ"المعاصي" بدل "المحارم". وقوله: "ألا" للتنبيه عَلى صحة ما بعدها، وفِي إعادتها وتكريرها دليل عَلى عظم شأن مدلولها.
قوله: (مضغة) أي: قدر ما يُمضغ، وعبر بِها هنا عن مقدار القلب في الرؤية، وسُمي القلب قلبا لتقلبه في الأمور، أو لأنه خالص ما في البدن، وخالص كل شيء: قلبه، أو لأنه وضع في الجسد مقلوبًا.
وقوله: (إذا صلحت وإذا فسدت) هو بفتح عينيهما وتضم في المضارع، وحكى الفراء: الضم في ماضي صَلُح، وهو يُضم وفاقًا إذا صار له الصلاح هيئة لازمة لشرف ونحوه، والتعبير بـ"إذا" لتحقق الوقوع غالبًا، وقد تأتي بمعنى: "إن" كما هنا، وخص القلب بذلك؛ لأنه أمير البدن، وبصلاح الأمير تصلح الرعية.
¬__________
(¬1) "المنتقى من السنن المسندة" لابن الجارود (باب: في التجارات) برقم (555) وعنده "قَالَ ابن عون: لا أدري هذا ما سمع من النعمان، أو قَالَ برأيه".

الصفحة 34