كتاب النكت على صحيح البخاري (اسم الجزء: 2)

وجيز الكلام، بل ليس في الكلام كلمة مفردة تُسْتَوْفَى بِها العبارة عن معنى هذه الكلمة.
وهذا الحديث من الأحاديث الَّتِي قيل فيها إنها أحد أرباع الدين، ومِمن عده فيها الإمام مُحَمَّد بن أسلم الطوسي.
وَقَالَ النووي: بل هو وحده محصل لغرض الدين كله؛ لأنه مُنحصر في الأمور الَّتِي ذكرها، فالنصيحة لله وصفه بما هو له أهل والخضوع له ظاهرًا وباطنًا والرغبة في محابه بفعل طاعته، والرهبة من مساخطه بترك معصيته، والجهاد في رد العاصين إليه.
وروى الثوري عن عبد العزيز بن رفيع، عن أبي ثمامة صاحب علي قَالَ [112/ ب]: قَالَ الحواريون لعيسى -عليه السلام-: "يا روح الله من الناصح لله؟ قَالَ: الَّذِي يقدم حق الله عَلى حق الناس" (¬1).
والنصيحة لكتاب الله: تعلُّمه وتعليمه وإقامة حروفه في التلاوة، وتحريرها في الكتابة، وتفهُّم معانيه، وحفظ حدوده، والعمل بما فيه، وذب تحريف المبطلين عنه.
والنصيحة لرسوله: تعظيمه ونصره حيًّا وميتًا، وإحياء سنته بتعلُّمها وتعليمها، والاقتداء به في أقواله وأفعاله، ومَحبته ومحبة أتباعه.
والنصيحة لأئمة المسلمين: إعانتهم عَلى ما حُمِّلوا القيام به، وتنبيههم عند الغفلة، وسد خَلَّتهم عند الهفوة، وجمع الكلمة عليهم، ورد القلوب النافرة إليهم، ومن أعظم نصيحتهم: دفعهم عن الظلم بالتي هِيَ أحسن.
ومن جُملة أئمة [المسلمين] (¬2): أئمة الاجتهاد، وتقع النصيحة لهم ببث علومهم، ونشر مناقبهم، وتحسين الظن بهم.
والنصيحة لعامة المسلمين: الشفقة عليهم، والسعي فيما يعود نفعه عليهم، وتعليمهم ما ينفعهم، وكف وجوه الأذى عنهم، وأن يحب لهم ما يُحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه.
¬__________
(¬1) أخرجه بمعناه الإمام أَحْمَد في "الزهد" (من مواعظ عيسى -عليه السلام-) (1/ 55)، وابن المبارك في "الزهد" (باب: في خوف الله واجتناب معاصيه) (1/ 34).
(¬2) زيادة من "الفتح".

الصفحة 57