كتاب النكت على صحيح البخاري (اسم الجزء: 2)

أجيب: بأنه يحتمل أن يكون استند في ذَلِكَ إلى ظنه، أو إلَى صريح قول الحاضرين.
قُلْت: وهذا الثاني أولى، فقد جاء كذلك في رواية عُثْمَان بن غِيَاث ففيها: "فنظر القوم بعضهم إلَى بعض، فقالوا: ما نعرفُ هذا" (¬1).
وأفاد مُسْلِم في رواية عمارة بن القعقاع سبب ورود هذا الحديث، فعنده في أوله: "قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: سلوني فهابوا أن يسألوه، قَالَ: فجاء رجلٌ" (¬2).
ووقع في رواية ابن منده من طريق يزيد بن زُرَيْع، عن كَهْمَس: "بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب إذ جاء رجلٌ" (¬3). فكأن أمرَهُ لهم بسؤاله وقع في خطبته، فظاهره أن مجيء الرجل كَانَ في حالة الخطبة، فإما أن يكون وافق انقضاءها أو كَانَ ذكر ذَلكَ [95 / ب] القدر جالسًا، وعبر عنه الراوي بالخطبة.
قوله: (فقال) زاد في التفسير: "يا رسول الله! ما الإيمان؟ " (¬4).
فإن قيل: فكيف بدأ بالسؤال قبل السلام؟
أجيب: بأنه يحتمل أن يكون ذَلكَ مبالغة في تعمية أمره، أو يبين أن ذلكَ غير واجب، أو سَلَّم فلم ينقله الراوي.
قلتُ: وهذا الثالث المعتمد، فقد ثبت في رواية أبي فَرْوة ففيها بعد قوله: "كأن ثيابه لَم يمسها دنس، حَتَّى سلم من طرف البساط، فقال: السلام عليك يا مُحَمَّد، فرد عَلَيْه السَّلام، قَالَ: أَدْنُو يا مُحَمَّد؟ قَالَ: ادن، فما زال يقول أَدْنُو مرارًا ويقول له: ادن، ونحوه في رواية عطاء، عن ابن عمر، لكن قَالَ: "السلام عليك يا رسول الله"، وفِي رواية مطر الوراق: "فقال: يا رسول الله، أدنو منك؟ قَالَ: ادن"، ولَم يذكر السلام.
فاختلفت الروايات هل قَالَ له: يا مُحَمَّد، أو يا رسول الله، أو هل سلم أو لا، فقال القرطبي بناءً عَلى أنه لَم يسلم، وَقَالَ: "يا مُحَمَّد": أنه أراد بذلك التعمية، فصنع صنيع الأعراب.
¬__________
(¬1) أخرجها الإمام أحْمَد في "مسنده" (1/ 27).
(¬2) "صحيح مُسْلِم" (كتاب الإيمان، باب: بيان الإيمان والإسلام والإحسان. . .) برقم (10).
(¬3) أخرجه ابن منده في "الإيمان" (1/ 132).
(¬4) "صحيح البُخَاريّ" (كتاب التفسير، سورة لقمان، باب: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ}) برقم (4777).

الصفحة 9