كتاب المعاملات المالية أصالة ومعاصرة (اسم الجزء: 2)

المسألة الثانية: التفريق بين الرضا والاختيار.
فالحنفية يفرقون بين الرضا والاختيار.
فالاختيار: القصد إلى الشيء وإرادته.
والرضا: إيثاره واستحسانه.
فالمكره على الشيء يختاره، ولا يرضاه، ومن هنا قالوا: المعاصي والقبائح بإرادة الله تعالى، لا برضاه؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - لا يرضى لعباده الكفر (¬١).
فإذا وجد الرضا وجد الاختيار، فقد يجتمعان، وقد ينتفيان، وقد يوجد أحدهما ولا يوجد الآخر.
فإذا اختار العاقد العقد من غير إكراه، وكان مكلفًا راشدًا غير محجور عليه فإنه في هذه الحالة يتحقق اجتماع الرضا والاختيار في حق العاقد.
وقد ينعدم الاختيار والرضا، كما لو كان البائع مجنونًا، أو صبيًا دون التمييز، ففي هذه الحالة ينتفي في العقد الرضا والاختيار.
وقد يوجد الاختيار ولا يوجد الرضا عند الحنفية، كما لو كان البائع مكرهًا إكراهًا غير ملجئ، فالمكره مختار لما فعله، قاصد إياه؛ فهو قد اختار أهون الشرين عليه، إلا أنه قصده لا عن رضا به، بل لدفع الشر عن نفسه (¬٢).
---------------
= شرح منتهى الإرادات (٣/ ٦١٨)، كشاف القناع (٥/ ٢٣٥)، وقد أشار الحنابلة إلى الإلجاء في الإكراه في بعض أنواعه، كما لو حلف لا يخرج من البيت، فحمل وأخرج منها، أو حلف لا يدخل البيت، فحمل وأدخل فيها، انظر الإنصاف (١١/ ٢٤).
(¬١) التقرير والتحبير (٢/ ٢٥٩).
(¬٢) نقله الباحث فضيلة الدكتور علي قره داغي من كلام لأبي زيد الدبوسي من مخطوطة في دار الكتب برقم (٢٥٥) أصول الفقه (ص ٩١٠).

الصفحة 54