كتاب المعاملات المالية أصالة ومعاصرة (اسم الجزء: 2)

وعمدتهم في التفريق بين الاختيار والرضا بأن معانيهما اللغوية تدل على وجود فرق بينهما:
فالاختيار: هو ترجيح شيء على آخر (¬١).
والرضا: هو الرغبة بالفعل والارتياح إليه، والانشراح النفسي به (¬٢)، ولا تلازم بينهما، فقد يختار المرء أمرًا لا يرضاه، ولا يحبه، ولكنه لا يرضى شيئًا إلا وهو يحبه، قال تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ} [البقرة: ٢١٦].
ذهب الجمهور إلى أن الرضا والاختيار لفظان مترادفان في الاصطلاح، فإذا قلنا: أن يكون العاقد مختارًا، بمنزلة أن أقول: أن يكون العاقد راضيًا بالعقد، وأن الاختيار لا يجتمع مع الإكراه. فمن أكره على فعل شيء لم يكن مختارًا البتة.
قال السيوطي: "فالمراد بالاختيار قصده ذلك الفعل وميله ورضاه، وأنه لم يفعله على وجه الإكراه" (¬٣).
---------------
(¬١) الاختيار في اللغة: الاصطفاء والانتقاء، وتفضيل الشيء على غيره، قال تعالى: {وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (٣٢)} [الدخان: ٣٢].
وقال تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا} [الأعراف: ١٥٥].
(¬٢) الرضا: مصدر رضي يرضى رضا ورضوانًا، ويستعمل الرضا ومشتقاته متعديًا بنفسه، وبالباء وبعلى، فيقال: رضيته، وارتضيته، ورضيت عنه، وعليه، وبه.
وللرضا معان كثيرة، منها الاختيار، قال تعالى: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: ٣].
ومنها طيب النفس، قال تعالى: {رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفجر: ٢٨].
ومنها الموافقة، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تصروا الغنم، ومن ابتاعها فيهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، إن رضيها أمسكها، وإن سخطها ردها ... ".
(¬٣) فتاوى السيوطي: مخطوطة الأزهر برقم (١٣١) فقه شافعي ورقة ١٤٣، نقلاً من حاشية كتاب مبدأ الرضا في العقود للدكتور القره داغي (١/ ٢٠٨).

الصفحة 55