كتاب التعليقة الكبيرة في مسائل الخلاف علي مذهب أحمد (اسم الجزء: 2)

تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196].
فالدلالة من الآية من وجوه:
أحدها: أنه واجب على المحصر الهدي، وإطلاقه يقتضي إهداءه إلى الحرم، ألا ترى أنه لو قال: (لله علي هدي) لزمه أن يهدي شاة إلى الحرم، ويذبحها فيه.
والثاني: قوله: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}، ومحل الهدي الحرم، قال الله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95]، وقال: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِالْعَتِيقِ} [الحج: 33].
والثالث: أنه جعل بلوغ الهدي محله غاية لجواز الحلق، فعُلم أن موضع الذبح غير موضع الإحصار؛ لأنه لو لم يكن كذلك لما كان لقوله: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196]-وهو قد يبلغ- معنى.
[....] عن دليله الأول، وأن إطلاق الهدي يقتضي الحرم: فلا نسلم أن الهدي هاهنا مطلق؛ لأن قوله: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] يقتضي أن يكون الإهداء عقيب الإحصار؛ لأن الفاء للتعقيب، وهذا يدل على أن ذبح الهدي في موضع الإحصار.
وأما الدليل الثاني من قوله: {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}، وإن محله الحرم، فلا نسلم ذلك أيضاً، بل المحل هاهنا هو الذبح، وإيصاله إلى المستحق، فهو محله، كالموضع الذي يجب الذبح فيه.

الصفحة 468