كتاب مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (اسم الجزء: 2)

وَالَّذِي أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْعَارِفُونَ أَنَّ الزُّهْدَ سَفَرُ الْقَلْبِ مِنْ وَطَنِ الدُّنْيَا، وَأَخْذُهُ فِي مَنَازِلِ الْآخِرَةِ. وَعَلَى هَذَا صَنَّفَ الْمُتَقَدِّمُونَ كُتُبَ الزُّهْدِ. كَالزُّهْدِ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، وَلِلْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَلِوَكِيعٍ، وَلِهَنَّادِ بْنِ السَّرِيِّ، وَلِغَيْرِهِمْ.
وَمُتَعَلِّقُهُ سِتَّةُ أَشْيَاءَ. لَا يَسْتَحِقُّ الْعَبْدُ اسْمَ الزُّهْدِ حَتَّى يَزْهَدَ فِيهَا. وَهِيَ الْمَالُ، وَالصُّوَرُ، وَالرِّيَاسَةُ، وَالنَّاسُ، وَالنَّفْسُ، وَكُلُّ مَا دُونُ اللَّهِ.
وَلَيْسَ الْمُرَادُ رَفْضَهَا مِنَ الْمُلْكِ. فَقَدْ كَانَ سُلَيْمَانُ وَدَاوُدُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ مِنْ أَزْهَدِ أَهْلِ زَمَانِهِمَا. وَلَهُمَا مِنَ الْمَالِ وَالْمُلْكِ وَالنِّسَاءِ مَا لَهُمَا. وَكَانَ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَزْهَدِ الْبَشَرِ عَلَى الْإِطْلَاقِ. وَلَهُ تِسْعُ نِسْوَةٍ. وَكَانَ عَلِيُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرُ وَعُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مِنَ الزُّهَّادِ. مَعَ مَا كَانَ لَهُمْ مِنَ الْأَمْوَالِ. وَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الزُّهَّادِ، مَعَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَكْثَرِ الْأُمَّةِ مَحَبَّةً لِلنِّسَاءِ وَنِكَاحًا لَهُنَّ، وَأَغْنَاهُمْ. وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ مِنَ الْأَئِمَّةِ الزُّهَّادِ، مَعَ مَالٍ كَثِيرٍ. وَكَذَلِكَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ مِنْ

الصفحة 15